مشاهد متكررة

أسماء القطيبية

(1)

امرأة منقبة لا يظهر منها سوى كفيها تدخل المحل، تقف قبالتك بينما أنت تتسوق، ثم تبدأ في الحديث عن فضل الصدقة وعظم ثواب مُعطيها، مشهد متكرر لعدد مريب من المتسولات في أحد الأسواق المحلية. وإذا ما دفعك الفضول للاستفسار عن وضع هؤلاء النسوة، فإنّ القصة هي نفسها دائماً عن العائلة التي شتتها الحرب وخلفت لها أمراضًا تحتاج لعلاج مُكلف، ما يتغير في تفاصيل القصة فقط هو اسم الدولة التي تدعي المتسولات أنهن قادمات منها، فهن آتيات من آخر الحروب المشتعلة، وأكثر المناطق توترًا، طلباً لمزيد من الشفقة، وبالتالي المزيد من (الصدقة). أتساءل هنا ما قصة هؤلاء النسوة اللاتي يبدو من الواضح أنهن لا يعملن منفردات - يتضح ذلك في توزعهن في السوق، وفي هيئتهن وقصصهن المتشابهة تقريبًا-، فهل ثمة خلايا تُدير عمل هؤلاء المتسولات و توزعهن في الأسواق وعلى أبواب بيوت الناس الميسورين؟ وإلى أين تذهب المبالغ الكبيرة التي يحصلن عليها من الناس حسني النية؟ والأهم من هذا وذاك هل الجهات المعنية على علم بهويات هؤلاء الناس وطرق دخولهم للبلاد؟ فمثلاً أنا لا استبعد أن يكون هؤلاء هم أنفسهم من يقومون بأعمال الدعارة وترويج المخدرات في البلد. وإن التسول ليس إلا مصدر دخل إضافي يتسترون به على أعمالهم المُشينة. مما يجعلهم مصدر تهديد لأمن الدولة وسلامة أفرادها. ويجعل القبض عليهم والتحذير منهم أمرًا بالغ الأهمية.

(2)

زواج ميمون لابن الرجل المعروف، صاحب الشهادة الرفيعة، والمكانة الاجتماعية المرموقة، تقام السهرات والولائم لعدة ليالٍ بإسراف باذخ يرمى ما يُرمى فيه من الطعام الذي عجزت بطون الضيوف الشبِعة عن أكله. يتحدّث الناس بعد عودتهم من الحفل عن ما تمّ تقديمه من طعام وشراب في نبرة ملؤها الإعجاب بالكرم الحاتمي، مُباركين فعلهم ومُهللين لحسن ضيافتهم. مشهد متكرر في مجتمعات تحب المباهاة . الغريب أنّ الناس المُعجبين بكرم الرجل المعروف هم أنفسهم عندما يشاهدون ما يشاهدون من صور لمجاعات وفقر وحروب حول العالم يستنكرون على الأغنياء إسرافهم في مظاهر البذخ، ويتهمونهم بعدم اللامبالاة، وعدم تقدير النعمة. هذه الإزدواجية بين الموقفين تجعلني حقيقة في حيرة وتعجب.هل يُدرك هؤلاء مقدار التناقض في مواقفهم؟ أم أنّ الأغنياء الذين يتحدثون عنهم ليسوا أنفسهم من يدعونهم إلى ولائمهم ويقدمون للشخص منهم ما يكفي لإطعام خمسة أشخاص؟.

(3)

تستأذن من العمل وتأتي إلى موعدك في المستشفى الحكومي حسب الساعة المحددة على أمل الحصول على علاج والعودة مرة أخرى إلى العمل. تفاجأ بطابور طويل من المراجعين الذين ينتظرون دورهم للدخول قبلك، تستفسر عن الوضع ليُخبرك الموظف بكل برود أن الأولوية حسب الحضور، وأنّ الساعة المحددة في أوراق الموعد شكليات لا يعمل بها، فنحن لم نصل بعد إلى ذلك المستوى من النظام الذي يحترم وقت الناس ولا يعطل مصالحهم . تضطر للانتظار ساعات طويلة مع غيرك من المراجعين في صالة انتظار تحوي عددا محدودا من المقاعد، مما يدفع بعض المراجعين للتنازل عن مقاعدهم لكبار السن أو المرضى المتعبين. وإن كنت سعيد الحظ ستحصل على فرصتك في مقابلة الطبيب وإلا فسيحدد لك موعد آخر بسبب كثرة المراجعين وضيق الوقت. مشهد يومي متكرر في المستشفيات الحكومية التي لا يذهب إليها المريض إلا مكرهاً أو مضطرًا. تتلقى بسببه إدارة المستشفى عددا من الشكاوى من الناس المستائين من الوضع، ولكن يبدو أنها غير كافية بالنسبة للمسؤولين لإحداث أي تغيير في النظام المتبع. هذا واحد من أسباب كثيرة تجعل الناس يتوجهون إلى العلاج في الخارج أو في المستشفيات الخاصة في البلاد.

(4)

كثير من المشاهد المؤلمة المتكررة سببها (أن مساوئ الشبع أكثر وأكبر من مساوئ الفاقة).

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك