على مشارف مرحلة صعبة

فيصل الحضرمي

الخميس 14 يناير 2016. اليوم هو آخر أيام اللتر بمائة وعشرين بيسة وغداً هو أول أيام التسعيرة الجديدة. ومع أنّ يوم 15 يناير لا يشكل عيداً لأحد بطبيعة الحال إلا أنّ العديد من محطات تعبئة الوقود صارت اليوم أشبه بمحلات الحلاقة عشية يوم العيد بسبب ازدحام الزبائن الهائل عليها وكأنّها هي الأخرى مُقبلة على نفس المناسبة. وكما يحلو للناس تجهيز أنفسهم لاستقبال العيد بأفضل ما يكون، اصطف الناس في طوابير طويلة خلف ماكينات التعبئة في العديد من المحطات للتزود بأقصى ما يستطيعون تخزينه في مركباتهم وحاويات أخرى مختلفة الأحجام استعداداً ليوم غدٍ وللأيام التي تليه، وهي أيام في مجموعها لا تعدو أن تكون المستقبل القريب القصير جداً بلا شك. كان المشهد غريباً وإن كان مفهوماً، واتسم أيضاً بشيء من الفُكاهة رغم أنّه أدعى إلى الحزن والقلق. وكعادة المجتمعات البشرية في ظروف كهذه، انتشرت النكت والنوادر كوسيلة مألوفة ومضمونة لمُعالجة المخاوف والتوجس من القادم وخفض مؤشر التوتر ولو قليلاً. إحدى النكت تقترح علينا اغتنام الفرصة لالتقاط صورة سيلفي مع ماكينات التعبئة وهي تعرض الرقم الذهبي 120 بيسة للمرة الأخيرة. وللمفارقة، فإنّ هذا الرقم الذي أصبح أثيراً على القلوب فجأة وبدون مقدمات هو نفسه الرقم الملعون الذي ظل لسنوات طويلة مجموع ما يستلمه موظفو الشركات في البلد حتى سنوات قريبة ولكن بالريال وليس بالبيسة بطبيعة الحال. وتخيلت نكتة أخرى سيناريو معقد يبدأ أحدهم فيه بتعبئة سيارته في الساعة الحادية عشرة وتسع وخمسين دقيقة من ليل يوم الخميس وينتهي بعد الثانية عشرة من صباح اليوم التالي، أي بعد اعتماد التسعيرة الجديدة، وتساءلت عن السعر الذي ينبغي للسائق أن يدفعه مقابل اللتر الواحد في هذه الحالة. كما انتشرت نكتة أخرى تسخر من الطريقة التي سيطلب بها السائقون من عُمال المحطة تعبئة سياراتهم بالبنزين العادي الأرخص بدل الممتاز الغالي الذي اعتادوا شراءه سابقاً، واقترحت أن يطلب السائق من العامل تقريب وجهه من نافذة السيارة ليهمس في أذنه بنوع البنزين الذي يُريده، وكأنما هو بصدد ارتكاب فعل مخجل يجب ألا يعلم به الآخرون.

الحياة انطلاقاً من الخامس عشر من يناير ستكون مختلفة عن سابقتها بلا شك، فرفع الدعم عن البترول ليس إلا مُقدمة لمسلسل درامي مُثير لا يعرف أحد كيف ستكون حلقته الأخيرة، وإن كان لدى الجميع حدس أشبه باليقين بأنّ أحداثه لن تجلب السرور لأحد. الكل بات يُفكر جدياً في اتباع سياسات تقشفية لمواكبة الوضع الجديد وليس فقط الحكومة وحدها. البعض قرر شراء سيارة صغيرة اقتصادية لاستخدامها بدل سيارته الكبيرة التي تستهلك الكثير من الوقود، والبعض الآخر ينوي التقليل من مشاوير السيارة وقصرها على المهمات الضرورية، أما الأقل جدية فيحلمون ببيع سياراتهم وشراء دراجات هوائية لقضاء جميع حاجاتهم كحل جذري لمشكلة غلاء البنزين.

ولكن المشكلة لا تنتهي عند غلاء سعر لتر البنزين كما هو معلوم. فالقلق المستشري بين الناس لا ينبع فقط من كونهم سيضطرون لتخصيص مبالغ أكبر من المعتاد لتعبئة مركباتهم، وإنما هو ناجم أيضاً وأساساً عن توجسهم من تبعات تدهور أسعار النفط بشكل عام. وربما تكون أكبر مخاوف الناس هي تأثر رواتبهم الشهرية بالتدني المضطرد في أسعار النفط وما ينجم عن ذلك من صعوبات مادية لا يروق لأحد مجرد التفكير فيها. فالراتب غالباً ما "يطير"، أو هو في حكم الطائر، حتى قبل أن "يحط" في الحساب البنكي، نتيجة تقسيمه على مصاريف معلومة كل شهر تشمل أقساط القرض والسيارة ومبالغ الجمعيات والفواتير وغيرها، المساس بجزء منه مهما كان بسيطاً يعني لخبطة الحسبة والوقوع في "حيص بيص" عظيم. ثم يأتي بعد ذلك الخوف من ازدياد غلاء المعيشة الغالية أصلاً منذ سنوات وهو خوف مُبرر بلا شك ما دامت الخدمات والسلع جميعها مرتبطة بأسعار النفط. الجميع يتوقع ارتفاع أسعار البضائع والخدمات في كل القطاعات فور تفعيل التسعيرة الجديدة للبنزين، والكل يضع يده على قلبه خوفاً من أن يكون غلاء الحياة المقبلة أكبر من قدراته المادية وأن تتجاوز صعوبتها قدرته على التكيف و الاحتمال.

هناك في بلادنا من ستمر عليه الأزمة كما تمر عليه نسمة الهواء العابرة، وهناك من ستسعفهم مداخيلهم الشهرية المتواضعة لعبور الأزمة بسلام، وهناك من سيكون خروجهم من الأزمة كالخروج من عنق الزجاجة، ولكنني أخشى أنه يوجد بيننا أيضاً أولئك الذين لا أجد الخيال الكافي ولا الجرأة اللازمة للتفكر في الكيفية التي سيتمكنون بها من الوصول إلى بر السلامة والنجاة. ومع ذلك، و بالرغم من جميع هواجسنا وقلقنا البالغ، علينا أن نظل متفائلين وإيجابيين ما أمكن ذلك. ومن يدري، لعل الكثيرين يخرجون من الأزمة أكثر تماساً مع الواقع وأكثر إحساساً بالمسؤولية وأكثر إدراكاً وتقديراً لنوع الحياة التي اعتادوا عليها.

تعليق عبر الفيس بوك