3%.. وللابداع نسبة أعلى!

محمد بن رضا اللواتي

3%.. هذه هي نسبة المعاقين في السلطنة بحسب تعداد العام 2010م؛ أي 62506 مواطنين معاقين.

بالطبع، لا تعد هذه النسبة "مخيفة" طالما أنَّ أنظمة دمج المعاق في المجتمع ومساعدته على العيش بشكل طبيعي مهما أمكن، قائمة وتعمل بفعالية.

وفي الواقع، ينبغي مبدئيًّا الاعتراف بأهمية وجود أنظمة تعين المُعاق على العيش مع الناس وممارسة حياته بشكل، طبيعي، قدر الإمكان، وإلا فقد المجتمع كفاءات إبداعية كبيرة ما كانت للإعاقة أن تعمل على وأدها لولا أن وأدتها ضُعف الأنظمة المساعدة للمُعاق على التغلب على إعاقته.

الفيزيائي الشهير "هوكنج"، داهمه مرض "العصب الحركي" عام 1963، فأحاله قعيدا على الكرسي المتحرك، مع عطب خطير لوظائف مهمة من بدنه، إلا أنَّ كل هذا لم يمنعه من أن يبتدع نظرية تتعلق بالثقوب السوداء وكونها ذات بداية، هذا عام 1971، وابتداع نظرية بكر، عام 974، لم يقل بها أحد، وهي أن للثقوب السوداء إشعاعا، حتى عُرفت النظرية باسمه "إشعاع هوكنج"، تلا ذلك تأليفه لكتب هامة، آخرها "المصمم العظيم"، هذا عام 2010، والذي شاركت الدكتور حسن بن أحمد اللواتي -وهو، يا للعجب، من ذوي الاحتياجات الخاصة- في كتابة نقد لاستنتاجات "هوكنج" الفلسفية المتعلقة بالألوهية فيه.

اعترفت زوجة "هوكنج" في إحدى المقابلات الصحفية بأن وسائل التغلب على المرض، إضافة إلى وجود عزم للإبداع، مكَّنتْ زوجها من ابتكار نظرياته وتأليف كتبه، وما لم يكن متاحًا، فقد قامت هي بمعونة أصدقاء بإعداد حملات لفت المجتمع إلى احتياجات المُعاق، من قبيل حملة تحسين وسائل الوصول إلى المُعاقين في "كمبريدج".

دُعيتُ قبل أيام إلى احتفال تدشين رسمي "لمركز الأيادي البيضاء للتقنيات المساعدة والتأهيل"، وذلك ممثلا عن "جريدة الرؤية"، حيث تم تكريم الجريدة مع مجموعة من المؤسسات لوقوفها بجانب المركز في مرحلة تأسيسه، حينها، لم أستطع أن أخفي دهشتي للمهام التي يريد هذا المركز أن يقيمها بصفته أول مركز من هذا النوع وبهذه المهام ليس فحسب في السلطنة، بل في الإقليم كله.

مركز يعين المرء على اكتشاف إعاقته التي قد يجهل كونه مصابًا بها! ثمة إعاقات تشمل الفكر والذهن، وأخرى تعيق عملية التعليم، ففي حين يعد المدرس الطالب المصاب بها "غبيا"، وإذا بهذا المركز يستطيع أن يثبت بأن ذلك الطالب ليس بغبي أو بليد، بل "معاق"! والأمر لا يتطلب إلا اكتشاف تلك الإعاقة التي أحالت مقدرته على الفهم إلى أدنى الدرجات، ثم تزويد هذا الطالب بتقنيات تساعده على العودة وبجدارة إلى قائمة التفوق.

والأمر يتجاوز حدود الصفوف الدراسية، إذ كم من قائد لمركبة، أو لحافلة، مصاب بإحدى الاعاقات التي تقيد مقدرته على القيادة في أوقات معينة من النهار أو الليل، ما مؤداه وقوع حوادث مميتة، في حين أن اكتشاف المشكلة، وكونها إعاقة ما، أو متلازمة معينة، ستعيد العشرات وربما المئات إلى وظائفهم، فضلا عن منعها للحوادث الفظيعة.

وباعتقادي، أنَّ المهام التي يسعى المركز لتحقيقها، لا سيما الجهد الذي يبذله لأجل تمكين المعاق من المشاركة الفاعلة في المجتمع بالاندماج فيه، وخلق فرص تحسين جودة معيشته، عبر التقنيات البديلة، لا ينبغي أن تكون "مهامه لوحده"، فيكون في هذا الميدان "فريدا"، بل من الضروري أن يكون الهدفان المشار إليهما قبل قليل مصب اهتمام "شمولي"، والاهتمامات الشمولية جاء في تعريفها أنها "التي يسعى المجتمع الكبير برمته على تحقيقها؛ وذلك لأجل مكافحة خمسة أنواع من "الجهل" أو التي تُعرف "بالمجاهيل الخمسة"؛ وهي:

أولا: الجهل بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة.

ثانيا: الجهل بوجود الإعاقة.

ثالثا: الجهل بوجود تقنيات مساعدة تمكن المعاق من التغلب على إعاقته.

رابعا: الجهل بوجود قدرة هائلة على الإبداع تكمُن في ذوي الاحتياجات الخاصة تنتظر أنظمة تعيدهم إلى الحياة الاجتماعية ليتبوأوا مقاعدهم اللائقة بهم في عملية في إدارة دفة التطور.

خامسا: الجهل بأنَّ الأنظمة المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة تقبل التطور بنحو مستمر، وتطويرها أمر ضروري.

كم كانوا أذكياء أؤلئك الذين اقترحوا بأنْ لا يُعرف المُعاق بهذه التسمية، بل بذوي الاحتياجات الخاصة؛ وذلك إيمانا منهم بأن الإعاقة حالة تحتاج إلى تعامل خاص، وليست حالة تذيب الابداع، وتزيل الابتكار، أو تحيل العزم من دائرة الوجود إلى بقعة العدم.

لقد كان أحمد الحراصي الضرير بنظارته السوداء رائعا جدا، في برنامج "قهوة الصباح" الذي قدَّمه التليفزيون العماني ذات صباح، وهو يعرف الناس من خلال هذا البرنامج المتألق، بفتاة تُدعى زينب بنت محمد الحراصية، التي أصيبت بالإعاقة البدنية وهي في السادسة من عمرها، إلا أنَّها أقبلتْ على القلم لتكتب به بفمها، وعلى القلم الإلكتروني لتكتب به بفمها كذلك على سطح الأجهزة الإلكترونية الحسَّاسة، حتى بلغت بسعيها المذهل هذه السنة الثالثة من دراستها الجامعية في كلية العلوم بجامعة السلطان قابوس. ولا يزال ذلك القلم ينبض ويبدع ليكون محتذى للجميع.

حقيقة.. نحن في حاجة إلى فروع لمركز الأيادي البيضاء في كلِّ عُمان، فشكرا لمن وقف خلفه يُساند فريقه لأداء مهامه..... ونحو حياة أفضل لذوي الاحتياجات الخاصة.

mohammed@alroya.net

تعليق عبر الفيس بوك