العمالة الوافدة: شركاء في التنمية أم ناهبو ثروة وطن!؟

علي بن مسعود المعشني

الحديث عن العمالة الوافدة في سلطنتنا الحبيبة هو حديث ذو شجون بحق ولم يبلغ مرتبة الحديث "ذو سجون" بعد بفضل من الله وبفضل سياسات الانفتاح على الواقع والحقائق والتي أرستها مدرسة العقل والحكمة والبصيرة النابعة من صميم قناعات عمق الفكر السامي لسلطان البلاد وباعث مجدها وباني نهضتها السلطان قابوس المفدى - حفظه الله ورعاه - والذي لم يترك مناسبةً أو فرصةً إلا ووجه من خلالها الحكومة والشعب إلى ترجيح العقل واكتساب الواقعية والوسطية في القرارات والسلوك والأحكام.

من هنا فإنّ الحديث عن العمالة الوافدة في الغالب وتناول قضاياهم، يأتي بمعزل كبير عن الواقعية والحكمة والاتزان ولغة العقل وسلوك الوسطية، فتأتي النتائج عكسية والتوصيات والترتيبات والإجراءات الجديدة جزءًا من المشكلة لا جزءًا من الحل إن لم تكن مشكلات جديدة تتناسل من رحم عقم الأفكار وضحالة الزاد المعرفي في تشخيص القضايا المصيرية وكيفية التعامل معها تنظيمًا وإدارة وسيطرة.

العمالة الوافدة في السلطنة اليوم بلغت وفق الإحصائيات الرسمية حدود المليون وثمانمائة ألف نفس، أي أنّها على مشارف تقاسم نصف عدد سكان السلطنة والبالغ مليوني نسمة وبضعة آلاف، وتسعى الجهات الحكومية جاهدة إلى تثبيت حجم العمالة عند نسبة 40% من إجمالي السكان، ثم التخفيض التدريجي من تلك النسبة وفق خُطط تعمين وضوابط استقدام وقانون عمل وما على شاكلته ووزنه من خطوات تشريعية وإجرائية فاعلة وتخدم الهدف النهائي المرجو.

هذه الإستراتيجية الحكومية تتلخص في مشكلتين رئيستين وهما:

1-عدم تحديد عنوان للمشكلة وهويتها وأبعادها ومواطن القوة والضعف والربح والخسارة فيها.

2- تفرد الحكومة بالتخطيط لهذه الإستراتيجية وتعريفها وتشخيصها وعلاجها بمعزل تام عن بقية أطياف الدولة وشرائح المجتمع من مجالس وغرف تجارة ومؤسسات خاصة وعقول أكاديمية ورجالات شأن عام.

أنتجت المشكلة الأولى تخبطاً كبيراً من قبل الحكومة في التخطيط لتنظيم سوق العمل نتيجة غياب التشخيص الحقيقي والواقعي للمشكلة لتلمس العلاج الناجع لاحقًا، وأهدرت مبالغ معتبرة من المال العام في ندوات ودراسات ومؤتمرات وحلقات نقاش وتشريعات ودراسات جدوى واستشارات تدور جميعها في حلقة مفرغة كونها تُعالج وهماً رغم حقيقته وقربه، وتنتج سلة إجراءات وتوصيات وتشريعات تجعلنا نترحم على سالف العصر والأوان، فهي تتعامل مع ظاهرة العمالة تحت عناوين جازمة وقاطعة أحيانًا مثل خطر العمالة الوافدة على: الهوية، الاقتصاد الوطني، السلم الاجتماعي، الأمن الوطني، الثقافة واللغة ....إلخ، بينما العقل والمنطق يقولان بأنّ العمالة الوافدة خليط من كل هذا وما يوازيه كذلك إيجابًا في المقابل أي ليست شراً مطلقاً ولا خيراً مرسلاً. كما أنّ الندوات واللقاءات العلمية لها أدبيات ومنهجيات معروفة أهمها جعل الحيثيات هي من تسطر النتائج وتحدد المشكلة وتعرف بها، وليس وضع نتيجة كعنوان ثم تجييش المنهجية والحضور ومحاصرة الواقع واستجوابه لإقرار ذلك العنوان بعينه ودون سواه. كما أنّه ليس من العقل تشريح الظاهرة وتجزئتها والانتقاء منها، ثم ترقب الحصول على علاجات شاملة للظاهرة برمتها، فالحكمة تقتضي أن هكذا حالة وظاهرة تُعالج بكلها ومن قبل المعنيين جميعهم وبدون عناوين وأحكام مسبقة ومرتقبة.

الأمر الثاني وهو تفرد الحكومة وممارسة دور المجتمع وأطياف الدولة وشرائحها في قضية تعني الجميع وتلامس واقعهم ومصيرهم وتفاصيل حياتهم، الأمر الذي أخرج لنا قوانين مكتبية وإجراءات مكتبية ودراسات مكتبية لا تتعدى جميعها جدران هذه الوزارة أو تلك الهيئة، ولم تسبقها مسوحات ودراسات ميدانية عميقة وشاملة وبالنتيجة تأتي القرارات والقوانين والإجراءات في وادٍ والمشكلة والعلاج في واد آخر. وهذه الحالة المستعصية والمتناسلة في العلاجات والتشخيص من قبل الحكومة وحدها، لم تجلب الضرر المباشر على أطياف من المجتمع والقطاع الخاص والعمالة معًا فحسب، بل تعدَّت ذلك إلى مرحلة الزمن، حيث تعاظمت المشكلة وخرجت عن دور العلاجات والتشخيص التقليدي للحكومة، وأصبحت واقعًا في زمن آخر لم تلجه الحكومة بعد. أي أصبحت هناك فجوة زمنية بين المشكلة والحل ترتب عليها فجوات عقلية ومعرفية وإجرائية هائلة وبالتالي لا تقاطع مطلقًا بين الزمنين وساكنيهما في أيّ شيء، والمؤسف أن نقول ونعترف بأنّ هذه الحالة انسحبت على أوجه كثيرة في حياتنا كعُمانيين وفيما يتعلق بالبحث عن حلول لمشكلات الدولة حيث تجاوزنا زمن العلاجات التقليدية واستشكل علينا مواكبة المستجدات والحلول المعاصرة. فلا يعقل أن نلتمس الحاضر ونستشرف المستقبل بأدوات الماضي.

لم يتأمل أحد أو يتدبَّر بعقل وعُمق تفكير سر ازدياد التحويلات الخارجية للعمالة كلما تقلصت أعدادها وتمّ التضييق عليها ومحاصرتها، وهذا موثق وملاحظ بجلاء. والسر يكمن في عدم معرفتنا بدوافع وعقيدة العمل لدى الغالبية العظمى من هذه العمالة والتي جلبناها للتنمية ودواعيها وتحت سقف القوانين والأنظمة ثم "اكتشفنا" فجأة بأنّها تسطو وتنهب ثرواتنا وتزاحم أبناءنا في الرزق!! وأصبح هذا شعار المرحلة وقاعدة للتشريعات والخطط والإجراءات والندوات والتجييش الإعلامي وللرأي العام والرسمي، فمن الطبيعي في هذا المناخ الطارد والموتور والمربك، والذي أحال العلاقة بيننا وبين العمالة الوافدة من علاقة تكامل وشراكة في التنمية إلى علاقة خصومة وعداء وصراع بمسمى ناعم وهو تنظيم سوق العمل، أن تلجأ هذه العمالة وبما أوتيت من قوة وحيلة مشروعة وغير مشروعة إلى حماية مصالحها ومصادر رزقها والتخفيف من آثار الحصار عليها والعداء لها وتحت أي إجراء أو مسمى كان، وأن يسابق الفرد تقلب التشريعات بجباية ما يستطيع من مال في أقصر وقت وبأيّ وسيلة كانت، فتعددت المصالح وتفتقت عقول الحاجة عن أنشطة متعددة وأساليب كسب غير مألوفة وغير آمنة أحيانًا وأصبحت الغاية تُبرر الوسيلة، فدفع الجميع الضريبة وبلا استثناء وأولهم الوطن وثرواته البشرية والمادية. فشتان ما بين التنظيم والتجييش والعقل والعاطفة والتوعية والتعبئة.

حفظ الله عُماننا وسلطاننا وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنّه سميع مجيب.

قبل اللقاء: تخيلوا لو قرَّر جميع الوافدين حزم أمتعتهم والرحيل غدًا عن بلادنا!؟

وبالشكر تدوم النعم.

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك