السفينة العُمانية تبحر في الاتجاه الصحيح

علي بن كفيتان بيت سعيد

أعلن مجلس الوزراء الموقر في اجتماعه الأخير للعام 2015، جُملة من الإجراءات المتوقعة لمعالجة تداعيات انخفاض أسعار النفط، وما ترتب عليه من ظهور عجز كبير في الموازنة العامة للدولة للعام 2016، ومن ضمن تلك الإجراءات رفع الدعم الذي تقدمه الحكومة للمشتقات النفطية بشكل جزئي ومؤقت مع مراجعة دورية لذلك الرفع وفق مقتضيات أسعار النفط المتأرجحة منذ منتصف 2015م.

كلنا شركاء في هذا الوطن؛ ففي وقت الرخاء ننعم بخيراته وفي أوقات الازمات يجب أن نتكاتف جميعا لتخطيها بكل حزم وثبات خلف حكومتنا الرشيدة التي يقودها مولانا جلالة السلطان -حفظه الله ورعاه- فالقاصي والداني يشهد بحكمة جلالته -أبقاه الله- كرجل انتهج الواقعية في التعامل مع كل المعطيات، وهذا ما رجح كفة سياسة السلطنة عن غيرها في كثير من الملفات المعقدة.

إنَّ المتتبع للأحداث الدراماتيكية لأسعار النفط يعلم بأن هذه السلعة ناضبة وغير متجددة وتحكمها الكثير من المتغيرات الاقتصادية والسياسية، فما يجرى اليوم في هذا الصراع السياسي النفطي الخفي عن العامة هو أن هناك ما يعرف بلعبة (عض الأصابع) ومن يصرخ أولا هو الخاسر لأنه سيسمح لأصبع غريمه بالنجاة وستظل أصبعه هو بين أنياب لا ترحم وهذ الصراع ليس بالجديد في السوق النفطية، ولكنه الأكثر دموية في سجل تاريخ هذا الصراع فعندما غاب الحوار العاقل لحل أزمات الشرق الأوسط تحركت غريزة الانتقام مهما تكن الخسائر، وأصبح النفط هو السلاح المتاح لشعوب لا تمتلك قوة ردع أخرى.

إنَّ من يعتقد أنَّ هذا الأمر هو عرض وطلب وهذه سلعة تخضع بشكل مباشر لهذا الأمر فهو غير دقيق في حكمه على الأمور، نعم عندما يزيد المعروض النفطي يقل السعر، ولكن من المستفيد ومن الخاسر؟ المستفيد الأول وبلا منازع هو الدول المستوردة التي تطمح لرفع نموها الاقتصادي مثل الصين والهند والبرازيل والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي ومن الخاسر الأول هي الدول المصدرة فقد بينت المعطيات حدوث عجز في جميع ميزانياتها للعام 2016 مع إصرارها على عدم سحب كمية الفائض في السوق النفطية الكفيلة بعودة الأسعار لسابق عهدها. هذا يمنحنا قراءة بأنَّ هذه الدول تناور بهذه الورقة الاقتصادية لحل أزمات سياسية فشلت في التعامل معها عبر طاولة المفاوضات على حساب مواردها الطبيعية ومقدرات شعوبها.

حكومتنا الواعية والرشيدة تعاملت بأقصى درجات الصبر والحذر مع الملفات السياسية العالقة في الشرق الأوسط وخرجت رابحة بشهادة الجميع؛ ففي الأزمة الإيرانية لم تكن السلطنة طرفًا بل كانت وسيطا نزيها رغم الضغوط الكبيرة التي مورست عليها وخرجت الاتفاقية للنور وجنبت المنطقة حرب جديدة قد تحرق المحروق ومن ثم تم التعامل بنفس النهج العقلاني الواضح والصريح مع بقية الازمات التي لا تزال عالقة إلى اليوم، وهذا يقودنا للثقة بخطوات حكومتنا في معالجة الأمور وعدم الإصغاء للشائعات التي ترى في الرفع الجزئي والمؤقت لأسعار المشتقات النفطية في السلطنة إخفاقا في التعامل مع الملف الاقتصادي.

إنَّ الفارق في أسعار المشتقات النفطية مع الدول المجاورة خلق سوقا رائجة لتهريب تلك المنتجات وأضاف أعباء أمنية جديدة لملاحقة تلك التجارة المستترة التي تقدر أرباحها بالملايين، ناهيك عن الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد الوطني من تلك السلوكيات الانتهازية؛ وبالتالي عندما يتم إيجاد توازن ولو جزئي في قيمة تلك المشتقات لن تصبح تلك التجارة مجدية؛ مما يعني تقليل نفقات الملاحقة وحفظ الموارد الطبيعية، وهذا الأمر له قيمة اقتصادية يجب على المواطن أن يعيها في هذه المرحلة.

نُؤمن بأنَّ المواطن سيتضرر من هذا الإجراء وهذا شيء حتمي، لكن ظروف المرحلة تستوجب الوقوف بجانب حكومتنا والثقة بأن إجراءاتها مرحلية فقط وفق التغيرات الحالية، ولقد تعهدت في البيان الصادر في هذا الإطار بإجراء مراجعة شبه شهرية للأسعار وهذا ما يبعث على الثقة والمصداقية ولا يوحي كما يعتقد البعض بأنها نية مبيتة ووجدت المخرج المناسب.

يجب أن تختفي لهجة التصادم بين السلطات التي يروج لها في مواقع التواصل الاجتماعي من حيث إقحام مجلس الشورى والزج به في أتون هذا المعترك لكبح هذه الإجراءات الاحترازية، ولعله من الأجدى أن يتم الدعوة لتسود لهجة التكامل بين المجلس والحكومة بما يخدم الناس ولا يهز الثقة بين المواطنين والحكومة.

وفي هذا الإطار، فإنَّ رؤية المجلس لهذا الإجراء يجب أن تكون مُعْلَنة وعبر مؤتمر صحفي لمن يُمثل المجلس سواء كان رئيسه أو رئيس اللجنة الاقتصادية أو من يفوضه المجلس وفق لائحته الداخلية بالخروج للناس وتوضيح الأمر لهم بمنتهى الشفافية والمصداقية؛ لأنَّ صمت المجلس يعطي الفرصة لمزيد من التكهنات.

طوال 45 عاما وكل مواطن أو مقيم على هذه الأرض الطيبة ينعم بالدعم غير المحدود للخدمات المختلفة، وهذا حق لا منة فيه، واليوم اقتضتْ الضرورة رفعا جزئيا ومؤقتا يتم مراجعته شهريا للمشتقات النفطية؛ فلا يجب أن نجلد أنفسنا ونجتر الخلافات والمواقف ونضعها كشماعة على هذا الإجراء، بل يجب أن نتكاتف جميعا كما وقفنا أمام جبروت الأعاصير كشعب صامد وقوي يثق بحكومته وسلطانة ونقول للمتشككين أو المتحفظين على هذا الامر بأن السفينة العمانية تبحر في الاتجاه الصحيح.. حفظ الله عمان وحفظ قابوس!

alikafetan@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك