التدريب من أجل الإجادة

إيمان الحريبية

نطرح دائماً ونتساءل عن أهمية تطوير وتحسين المستوى الوظيفي وانعكاس تأثيرهما على الأداء والكفاءة وزيادة الإنتاج فكيف تأتي الإنتاجية المطلوبة. إجابتي على هذا السؤال أنّ الإنتاجية ترتبط أولاً وأخيرًا بمدى رغبة الموظف في تطوير نفسه فمتى أراد أن يطور من ذاته وأن يُجيد وظيفته كانت كل الوسائل سهلة ومتاحة فقط عليه يطرق أبوابها ويحدد لنفسه ما يتناسب مع قدراته وميوله ليرتقي بها ويرتقي معها بمؤسسته. وتعد خيارات إكمال الدراسات ورفع الدرجات العلمية وحضور الدورات التدريبية التطويرية وورش العمل، وكذلك متابعة الندوات والمؤتمرات من الأساليب التي تفتح آفاقاً متعددة لتحسين المستوى الوظيفي، إلاّ أنّه لابد أن يرافق ذلك اقتناع ورغبة داخلية بالتغيير نحو الأفضل من الموظف والمؤسسة.

إذًا..كيف نرتقي بقدرات الموظفين وندفعهم للإقبال على العمل؟ سيكون ذلك بالتدريب ولكن ليس من أجل التدريب فقط ولكن التدريب من أجل الإجادة والإتقان. نحن بحاجة إلى حملة تثقيفية للتأكيد على أهمية التدريب والتطوير الذاتي وشرح آلياته ونتائجه وأبعاده فالموظف يحتاج منذ أول يوم عمل للإرشاد والتوجيه ومجاراة الواقع والمستجدات من حوله. وتواجد الموظف على رأس عمله بدون تدريب أو توجيه يقتل الإبداع ويعطل الإنتاج ولا يخدم التنمية ولا غاياتها. فالتدريب والتأهيل استثمار طويل الأجل تظهر ثماره في تقديم أعمال تتسم بالجودة والسرعة والاتقان. كما أنّ جرعات التدريب التي تُقدم يجب أن يتم قياس أثرها ومدى جدواها وفاعليتها من خلال نقل أثر ذلك التدريب للعاملين الآخرين في المؤسسة لتبادل الخبرة والمعرفة ومشاركة المستجدات وتعميم الفائدة فنتأكد هنا من جدوى البرامج التدريبية. ولعل من مجالات برامج التدريب المُفيدة في مجال التدريب هي التدريب على رأس العمل والتدريب من أجل التوظيف، وهي برامج مثمرة وجيدة إذا ما تمّ تطويرها وتعميم فكرتها على المؤسسات التعليمية أولاً إذ إنّ المنهج العملي في تلك المؤسسات لم يعد وحده كافياً ليتسلح الخريج بمهارات سوق العمل والتعرف على متطلباته وغرس ثقافة العمل والإنتاجية المطلوبة، لذلك فإنّ خضوع الطلبة في السنة الأخيرة على سبيل المثال لمثل هذه البرامج كفيل بتغيير الكثير في مدى معرفة الخريجين بثقافة سوق العمل وأبجدياتها قبل أن يدخل إلى سوق العمل. ويمكن أيضاً أن تتبنى المؤسسات والشركات مثل هذه البرامج التأهيلية والتدريبية التي تقوم بتأهيل الموظفين على رأس عملهم وتدريبهم بما يحتاجون في مجال وظيفتهم وأن تتبنى شركات مختلفة في إطار مسؤوليتها الاجتماعية مثل هكذا برامج فتتغير تدريجيًا ثقافة العمل والإنتاج فالكثير بحاجة إلى شهادات الخبرة حتى وإن لم يكن التوظيف في ذات الشركة ولكن تلك الشهادة ستكون رصيدًا ومخزوناً تفتح لحاملها منافذ وآفاقاً أخرى في مكان قريب آخر يستوعب مثل تلك المهارات التي تعلمها الباحث عن عمل. والحق يقال إنّ هناك بعضاً من الشركات التي تقوم بمثل هذه الخطوات ونأمل أن تتبع خطاها شركات أخرى بشكل تنافسي فنحن بحاجة إلى جيل شباب يعي تماماً حجم مسؤوليته ويفهم جيدًا ما هو المطلوب منه في مرحلة قادمة تتطلب العمل الكثير وخاصة من جيل الشباب. فلا نعتمد فقط على ما يُقدم في المؤسسات التعليمية ولكن نعوّل الكثير على التدريب المُتخصص والمُكثف الذي يخلق لدينا كوادر مؤهلة واعية وقادرة على السير قدمًا بعجلة التنمية الشاملة حاضرا ومستقبلاً إن شاء الله تعالى.

ولا ننسى في إطار ما تقدم أنّ البيئة المُحفزة والحاضنة للإبداع والداعمة له هي تربة خصبة للنجاح وتحقيق الأهداف ففي ظل تدني أسعار النفط وتجديد الدعوة من الحكومة نحو تنويع مصادر الدخل نحتاج لمثل هذه البرامج التي تدرب الشباب في قطاعات الصناعة والسياحة والتعدين والاستثمار وغيرها من القطاعات الواعدة الأخرى التي ستؤمن للاقتصاد الاستقرار ولبلادنا الغالية المزيد من التقدم والازدهار بإذن الله تعالى.

تعليق عبر الفيس بوك