قناة عُمان الثقافية

عيسى الرَّواحي

كان أبرز عناوين أخبار العاشرة في آخر ليلة من العام الميلادي المنصرم 2015م؛ هو: افتتاح مجمع الأستوديوهات الرقمية الجديد لـ"الإذاعة والتليفزيون"، وتدشين الهوية الجديدة للهيئة، وإطلاق قناة عمان الثقافية وسط حضور رسمي وإعلامي محلي بارز، محققة بذلك نقلة نوعية كبيرة في تأريخ الإعلام المرئي بالسلطنة، يحقُّ للمواطن العماني أن يسعد بها بعد انتظارها أمدا بعيدا؛ لذا فإننا نأمل أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون، وأن تحقق الأهداف المرجوة منها، خاصة في ظل ما يشهده العالم من طفرة هائلة في وسائل الإعلام. وحسب ما ذكرته مختلف وسائل الإعلام المحلية، فإنَّ هذه الأستوديوهات قد تم تصميمها بأحدث المواصفات العالمية، وقد استغرقتْ جهدا كبيرا ووقتا طويلا؛ لذا فإنها من حيث الشكل أو المظهر لا غبار عليها، وبقي أن تُثبت الأيام ما يحتويه المخبر والمضمون. ولعلَّ أبرز ما في هذه النقلة النوعية للإعلام المرئي هو إطلاق قناة عمان الثقافية التي تُعنى بعرض وتقديم الجانب الثقافي والعلمي والفكري والإرث الحضاري والتأريخي للوطن والإنسان عبر امتداد العصور والأزمنة، ولا ريب أن ما يحويه تأريخ عمان العظيم لا يمكن أن تستوعبه قناة إعلامية، وكل ما قامت به الجهات المعنية من وسائل إعلامية ووزارة التراث والثقافة والمناهج الدراسية في هذا الشأن يبقى قاصرا أن يضاهي عظمة التأريخ العماني وإرثه الكبير على مر العصور، وعلينا أن نعترف بوجود قصور سابق في إعطاء التأريخ العماني حقه من التعريف والبيان سواء على المستوى المحلي أو المستوى الدولي، وفي شتى جوانبه سواء فيما يتعلق بتأريخ الأمجاد والبطولات، أو فيما يتعلق بمؤلفات العلماء والأدباء والشعراء، أو فيما يتعلق بجغرافيا الأرض المتنوعة وطبيعة الإنسان؛ لذا فإنَّ على هذه القناة تقع مسؤولية كبيرة في القيام بأدوارها المنوطة بها، وسد مكامن القصور خلال العقود الماضية في هذا الشأن، ونحسبها أهلا لذلك بمشيئة الله تعالى في ضوء رسالتها المعلن عنها والإمكانات المتاحة لديها. لن تُواجه قناة عمان الثقافية أدنى صعوبة في البحث عن مواد تقدمها أو برامج تعدها، فهي أمام بحر أطم من الفكر والثقافة والأدب والتأريخ لهذا البلد العريق، ولن تُواجه كذلك أدنى صعوبة فيمن تستضيفهم وتحاورهم وتبحث معهم مناحي الفكر والثقافة والعلوم والآداب؛ فعُمان ولَّادة على سائر العصور للعلماء والأدباء والشعراء والمفكرين والمثقفين، ولن تجد أدنى صعوبة كذلك إنْ أرادت سبر أغوار جغرافيا الأرض وتضاريسها المتنوعة.

إننا أمام آمال عريضة وطموحات كبيرة نأمل أن تقوم بها القناة الوليدة بحيث تكرس جميع جهودها في تأدية رسالتها النبيلة وتحقيق أهدافها المرسومة، خاصة في ظل ما يشهده العالم من كثرة القنوات التي تشعل نار الفتنة والاضطرابات، وما يزخر به التأريخ العماني من مكنونات، وما تعيشه الساحة العمانية بشكل مستمر لا يتوقف من إنتاج فكري وثقافي وعلمي؛ لذا فإننا نأمل ونتطلع أن تكون الدورات البرامجية ومواضيع القناة على ثلاثة مسارات متوازية؛ يتمثل أولها في التعريف بالتأريخ العماني على مدار العصور ومختلف الجوانب وإبراز ملامحه وسبر أغواره وفق رؤية واضحة وأهداف مرسومة ولغة تخاطب المشاهد داخل الوطن وخارجه، مع استخلاص الدروس والعبر للاستفادة من هذا التأريخ للحاضر والغد المشرق.

والمسار اﻵخر يتمثل في رصد اﻷحداث والمشاهد الثقافية والفكرية المحلية والدولية؛ بحيث يعايش المشاهد الحراك الثقافي الذي يحدث داخل مجتمعه وخارجه، وفيما يتعلق بالشأن المحلي فإننا نأمل أن يكون هناك رصد ومتابعة حقيقية لمختلف المناشط والفعاليات الثقافية التي تشهدها الساحة العمانية سواء داخل المؤسسات التعليمية من مدارس وكليات وجامعات، أو ما تقوم به اﻷندية الرياضية والفرق اﻷهلية أو غيرها من المؤسسات الحكومية واﻷهلية، إضافة إلى قراءة واعية ومتابعة يومية مستمرة لنتاج الكُّتاب عبر الصحف المحلية.

أمَّا المسار الثالث، فيتمثل في برامج تُعنى بتنمية الثقافة والفكر وتنمية المواهب واﻹبداعات، والحث على القراءة والبحث والتأليف، وتشجيع كل ما من شأنه النهوض بالمستوى الثقافي والفكري والأدبي لدى المشاهد بمختلف الفئات العمرية.

ومما ينبغي أن نشير إليه أهمية أن يكون القائمون على تلك البرامج على قدرٍ كافٍ من الثقافة والاطلاع كل حسب تخصصه؛ فمُقدِّم البرامج التأريخية ينبغي أن يكون ذا ثقافة واسعة في التأريخ، ومقدم البرامج التي تعنى بالشعر والأدب ينبغي أن يكون ذا إلمام ودراية بما يتحدث عنه، وهكذا مختلف البرامج والمواضيع، ولا ريب أن الحرص على سلامة اللغة وإتقان الخطاب في قناة تُعنى بالثقافة والفكر ينبغي أن يكون من الأولويات التي يجب أن يحرص عليها المقدم. بقي أن نؤكد على أنه من الضيم الكبير في حق هذا البلد العظيم وفي حق اسم القناة أن يُصدم المشاهد الكريم ببرامج قد تكرس ثقافة الموسيقى والطرب، وتشغل حيزا واسعا من مساحة القناة على حساب الرسالة الأولى للقناة، والأهداف والتطلعات التي ينتظرها المشاهد داخل الوطن وخارجه... والله المستعان.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك