العرب وصياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

ناصر محمد

نعرف أنّ هناك إعلانًا عالميًا لحقوق الإنسان، ولكن ينتابنا شك بأنّ هذا الإعلان له علاقة بالدول العربية سواء من ناحية المضمون أو بالأحرى المشاركة في صياغته، فتاريخ صدور هذا الإعلان عام 1948م يبعد العرب بالضرورة عن هذا الحدث الفارق وذلك بسبب انهماك الدول العربية بقضايا الاستقلال من شبح الاستعمار، وكذلك أنّ أغلب الحقوق المذكورة فيه قد لا تهم المواطن العربي بقدر ما يهمه التحرر والأمن والحدود الدنيا للحياة الكريمة باعتبارها أكثر الحقوق ضرورة في ذلك الوقت. أمّا تغيير الدين وحرية الرأي والمعتقد وحقوق المرأة وحق التجمّع السلمي فكانت ربما ترف لا يتناسب مع الظروف المحيطة بالمنطقة، فكما كان الإعلان انعتاقا للفرد من عسف الدولة فإنّ الفرد العربي كان له موعد مع انعتاق أولي قبل ذلك، وهو حق تقرير المصير.

يتطرق الدكتور محمد الميداني في كتابه "دراسات في الحماية الدولية لحقوق الإنسان" في الفصل الخامس إلى "العرب وصياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" وذلك من خلال توضيح دور بعض الدول العربية في اقتراح وتعديل وصياغة الإعلان، وكانت السعودية واليمن ومصر ولبنان والعراق وسورية هي الدول العربية الست الوحيدة التي شاركت في صياغة الإعلان. كما أنّ لبنان كانت الدولة العربية الوحيدة العضو في لجنة حقوق الإنسان التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة آنذاك، وكان اللبناني الدكتور شارل مالك مقررًا للجنة وبرئاسة إليونار روزفلت والدكتور شانغ من الصين نائبا للرئيس والبروفيسور رينيه كاسان من فرنسا وجون هنفري من كندا.

ويستعرض الدكتور الميداني المواد السبع التي شارك فيها مندوبو الدول العربية بطريقة فعّالة وهي: 1، 3، 13،14، 16، 18، 28. وتنص المادة الأولى : (يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء). اعترض مندوب لبنان على اقتراح المندوب الصيني بإلغاء جملة "وقد وهبوا العقل والوجدان"، وعلل المندوب اللبناني ذلك تمييزا للإنسان عن الحيوان. كما اقترح مندوب العراق إعادة صياغة المادة إلى: يجب أن يكون جميع الناس أحرارًا متساوين في الكرامة والقيمة، ولهم أن يعاملوا بنفس الشكل ويتمتعوا بنفس الفرص. ولكن لم يسانده الكثير وعارضته مصر وسورية. كما قام مندوبا مصر وبلجيكا باقتراح إلغاء جملة "وتهبهم الطبيعة العقل والوجدان" لأن الطبيعة ليست هي الوحيدة الواهبة ويتعارض هذا المفهوم مع كثير من العقائد والفلسفات، وتمت الموافقة على إلغاء الجملة وطالبت لبنان وسوريا بالإبقاء عليها.

وفي المادة الثالثة من الإعلان التي تنص: )لكل فرد حق في الحياة والحرية وفى الأمان على شخصه). فقد طالب الاتحاد السوفيتي وكوبا إضافة إلغاء عقوبة الإعدام، ولكن سوريا واليمن رفضتا هذه الإضافة لتعارضها مع القانون الجنائي، وامتنعت السعودية ومصر ولبنان عن التصويت. أمّا في المادة 13 التي تنص على: ( 1. لكل فرد حق في حرية التنقل وفى اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة2. لكل فرد حق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفى العودة إلى بلده). فقد تدخل مندوب لبنان بإضافة "من حق كل فرد مغادرة وطنه والعودة إليه" وتم التصويت بقبول اقتراحه، أمّا السعودية فقد احتجت على عبارة "لكل فرد حق في حرية التنقل وفي اختيار محل اقامته داخل حدود الدولة" لأنه مخالف للقوانين الوطنية وحرمة الأماكن المقدسة. ولم يؤخذ باعتراضها.

وبخصوص المادة 14 من الإعلان التي تنص: (1. لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصًا من الاضطهاد. 2. لا يمكن التذرع بهذا الحق إذا كانت هناك ملاحقة ناشئة بالفعل عن جريمة غير سياسية أو عن أعمال تناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها). اقترح مندوب السعودية بإلغاء عبارة" والحصول عليه" من الجملة "لكل فرد حق التماس ملجأ والحصول عليه من بلدان أخرى" وذلك لمساسه بسيادة الدولة وتمت الموافقة عليه بالتصويت. وفي المادة 16 التي تنص: (1. للرجل والمرأة، متى أدركا سن البلوغ، حق التزوج وتأسيس أسرة، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين. وهما متساويان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله. 2. لا يعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء كاملا لا إكراه فيه.3. الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة). فقد اقترح مندوب السعودية تعديلا لها بأن يكون: (للرجل والمرأة في كل بلد متى بلغا السن القانوني لعقد الزواج حق التزوج وتأسيس اسرة، وهما يتمتعان بكل الحقوق التي تنص عليها قوانين الزواج في بلدانهما) ولكن تم رفضه بالتصويت. وطالب مندوب لبنان بإدخال عبارة "لا إكراه فيه" في المادة وتم قبولها بالتصويت. كما اقترحت المكسيك جملة "دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين" وتم إقرارها وامتنعت السعودية ولبنان عن التصويت. كما تم رفض اقتراح مصر بإدراج جملة (يحق لكل شخص تشكيل عائلة النواة الأساسية للمجتمع الذي يحق له حماية العائلة).

وبالانتقال إلى المادة قبل الأخيرة وهي المادة 18 التي تنص: (لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حده). فقد اعترضت العراق والسعودية وسورية على هذا النص وتحفظت مصر على جملة "تغيير دينه ومعتقده" ولكن لم يؤخذ بالاعتراض وتم الاقرار بهذا الحق. وأخيرًا المادة 28 التي تنص: (لكل فرد حق التمتع بنظام اجتماعي ودولي يمكن أن تتحقق في ظله الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحققا تاما). فقد طالب مندوبا مصر والسعودية بحذف هذه المادة لأنّها موجودة في الديباجة، أما سورية ولبنان فقد طالبتا بالإبقاء عليها لضرورتها. كما تم رفض اقتراح مصر في إضافة مادة إلزاميّة لتنفيذ هذا الإعلان، والذي، على رأي الكاتب، لو تم إقراره لما تأخر اعتماد العهدين الدوليين للحقوق الانسان عام 1961م لضمان وضع هذه المواد موضع التنفيذ.

تعليق عبر الفيس بوك