أتمنى أن ننجح في "اختبار الأزمة"!

حمود بن علي الطوقي

ما زالت الذاكرة تحتفظ بكلمات سماحة الشيخ أحمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، في سياق ردِّه على مجموعة أسئلة طُرحت على سماحته في البرنامج التليفزيوني "سؤال أهل الذكر"، حول السُّبل الآمنة للخروج من نفق الأزمة الاقتصادية الراهنة؛ حيث قال بحنكة المربِّي وحصافة العالم: التخطيط السليم والتنفيذ الأمين.

إنَّ القرارات الصادرة مؤخرًا عن مجلس الوزراء الموقر، وما استتبعها من إعلان ملامح الخطة الخمسية الجديدة، وإقرار الموازنة العامة للدولة، لتضعنا جميعا أمام قناعة تامة بأن أزمة انهيار أسعار النفط مُستفحلة، وأنَّ الخطب بحق جلل، وما يُترجم هذا تلك الأرقام والنسب المئوية التي تعكس التوجُّه الحثيث نحو ترشيد النفقات ورفع الدعم عن المحروقات ورفع قيم متحصلات الضرائب وبعض الرسوم كحلقات جديدة في إستراتيجية التعاطي بجدية مع الأزمة؛ في ظل الإعلان عن عجز مُتوقع بنحو 3 مليارات ريال خلال ميزانية العام الحالي 2016.

وبالاتساق مع هكذا توجه، يبرُز مجدَّدا وبقوة الحديث عن ضرورة إيجاد بدائل ومصادر جديدة للدخل بدلا عن النفط الذي أصبح مصدرَ قلق للدول المنتجة، بل والمستهلكة على حدٍّ سواء.. وفي رأيي أنَّ الاستثمار في مجال الابتكار وتنمية الموارد البشرية والعمل على الاهتمام بمجالات البحث العلمي والابتكار وتنمية العقول، باتت بالفعل أهم متطلبات المرحلة الحالية، بما يقودنا لترجمة مفهوم "التنويع الاقتصادي" على أرض الواقع.

البعضُ يُقلِّل من تداعيات الوضع الراهن بالقول بأنَّ عُماننا على مدى تاريخها مرت بالعديد من الأزمات والنكبات استطاعت أن تتخطاها، ولكني أقول إنه وبعد أربعة عقود من الزمن، فإننا نعم تجاوزنا العديد من الإخفاقات بفضل الحكمة السديدة لمولانا المعظم وجهود حكومته الرشيدة، إلا أننا ومنذ الإعلان في العام 2013 عن عدد من القضايا التي عُرفت حينها بـ"أكبر قضية فساد في السلطنة" واتُّهم فيها 9 من المسؤولين والتنفيذيين، ونلاحظ أن الأداء الحكومي حيال الأزمات يشوبه في قليل من الأحيان بعض التوتر والغموض.

والأرقام تدلل على صحة ما أقول، فكمتابع للعجلة الاقتصادية أتذكَّر أن العجز المعلن في الموازنة العامة للدولة في العام 1995 كان عند 260 مليون ريال، وفي موازنة 2005 وصل إلى 540 مليون ريال.. هذه الأرقام كانت قبل عقد وعقدين من الزمن. أما الآن ونحن في مستهل 2016 فنعلن عجزًا يربو على الـ3 مليارات ريال.

إن قراءة بسيطة في هذه الأرقام، تعطي مؤشرا للأسف على أن الرُّؤية الاستثمارية لدينا مبنية على الاجتهاد وليس المرتكزات؛ فتغطية العجر تتم من خلال السحب من الصندوق الاحتياطي العام للدولة.. وعلى الرغم من أن بوادر الأزمة الحالية استشعرناها منذ فترة وسط تحذيرات التقارير والتحليلات والخبراء والمحللين والمؤسسات الائتمانية من خطورة الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، إلا أننا للأسف لم نَرْجع عن دَرْب "المصدر الواحد للدخل"، وتم تأجيل أو ترحيل (ولن نقول التغاضي عن) العديد من القرارات التي تدعم قطاعات واعدة يعوَّل عليها الكثير للخروج من دائرة الذهب الأسود، والتي تتعالى الأصوات الآن منادية بضرورة الارتقاء بها وتوفير الدعم اللازم لها لتلافي تداعيات الأزمة الراهنة.

فضلا عن أنَّ عُمان تتوافر على بدائل حقيقية للدخل؛ منها: السياحة والزراعة والثروات السمكية والحيوانية، ما دمنا نتحدَّث عن تحولات جديدة في ظل انخفاض النفط، لكننا لو تأملنا ما يدور حولنا سنجد التحديات كبيرة، وأن الوقت الحاضر أصعب من أمس، والقادم بلا شك (إن استمر الأداء على ذات الدرجة) سيكون أشد صعوبة.

إنَّ تطبيق "الشراكة" بمفهومها الحقيقي الشامل بات هو الآخر مطلبا ملحًّا؛ من خلال إتاحة الفرصة أمام القطاع الخاص ورجال الأعمال للاضطلاع بدورهم تجاه الوطن، وتعزيز القيمة المضافة، والارتقاء بالأداء الاقتصادي.. فقد آن الأوان أن تبدأ حكومتنا الرشيدة عملية البحث عن آليات جديدة تضمن خروجا آمنا من الأزمة بما لا يضر بالصالح العام، ولا أقول المواطن الذي بات بالفعل مطالبا الآن أكثر من أي وقت مضى بمشاركة الوطن تحدياته لننجو جميعا بالسفينة إلى بر الأمان.

تعليق عبر الفيس بوك