"النملة" التي لم نتعلم منها!

مسعود الحمداني

(1)

قرأنا في كتب المدرسة الابتدائية قصة "النملة" التي كانت تخزِّن القمح في الصيف لتأكله في الشتاء، هذه النملة الحكيمة التي تعلَّمنا على يديها معنى "الادخار" و"التخطيط" لم تفلح في تعليمنا تطبيق ما تعلمناه على أرض الواقع، ولم يتعلم منها المسؤولون عن التخطيط والاقتصاد والمال هذا الدرس "الاستثماري" البسيط، وكأن ما نتعلمه في المدارس هو مجرد قصص للتسلية.

لو طبَّق المسؤولون لدينا طريقة "النملة" في التفكير والادخار في الصيف، لما وجدنا أنفسنا في مواجهة شتاء النفط هذه الأيام.

(2)

كل شيء سيرتفع سعره بدءا من هذا العام؛ فالنفط هو الأب الروحي لكل ما نحن فيه، إن ارتفع عشنا بهناء ورخاء، وإن هبط هبطنا من عالي السماء. ورغم أن الدول الخليجية غنية بالنفط، إلا أنها لا تزال فقيرة في التخطيط، وأعتقد أنه من العيب أو السذاجة أو البلاهة أن نطالب (الآن) -وفي هذه اللحظات الحاسمة والفارقة- بإعادة التخطيط، والنظر إلى المستقبل برؤية أكثر اتساعا، وكأن كل ما قمنا في الماضي مجرد "تسالي"، وأنَّ الأوطان ما هي إلا "حقول تجارب"، وأنه حان وقت لـ"التخطيط الحقيقي"!

يجب علينا البحث عن عبارات أخرى تناسب المرحلة، ووعي الناس.

(3)

استثمرنا في البنايات، والأسمنت، وصرفنا مليارات الدولارات على إنشاء مصانع تستورد موادها الخام من الخارج، وإقامة مشاريع فشل كثير منها، وذهبت هذه المليارات أدراج الرياح، واكتشفنا بعد فوات "الأوان" أن الجدوى الاقتصادية لبعض المشاريع كانت "مكتبية" وليست واقعية، وبكينا على اللبن المسكوب، ولكن "البقرة الحلوب" بدأ ضرعها بالجفاف، وصارت عبارة "آن الأوان للاستثمار، وتنويع مصادر الدخل...." عبارة نسخر بها من عقول بعضنا البعض؛ فـ"الأوان" كان يجب أن يكون من زمن بعيد.

(4)

"آن الأوان" لتقليم أظافر الموظفين، والمساس بحقوقهم، وترقياتهم؛ فهم سبب هذه الأزمة، و"آن الأوان" لزيادة أسعار البنزين، وشد الحزام، وزيادة الضرائب، ومراقبة المحاجر، والاهتمام بالسياحة، و..و.. وأمام المسؤولين الكثير من البدائل لتعويض انخفاض أسعار النفط، ومواجهة هذه الأزمة؛ لأنَّ الناس شركاء في الهبوط، فرقاء في الصعود!

فقط.. أتمنى أن نتعلم من الدرس؛ لأنه ربما ستكون هذه هي المرة الأخيرة لنعي ونتعلم، لعل الأجيال تشفع لنا إضاعتنا للوقت.

(5)

لا تزال النملة "تعمل" بنشاط وهمة كي تدخر لشتاءٍ قادم أكثر برودة، وصعوبة؛ فهي تخطِّط وتفكِّر، ولا مجال لديها للثرثرة، وإضاعة الوقت، وتحميل الآخرين تبعات كسلها، وقلة تدبيرها؛ فالزمن لا ينتظر الفوضويين ولا الكسالى.

فهلَّا أعدنا قراءة القصة لنتعلم من تلك النملة الصغيرة ما لم نتعلمه من الأزمات الكبيرة؟!!!

Samawat2004@live.com

تعليق عبر الفيس بوك