صاحبي.. وحقيبة المسافر..!!

المعتصم البوسعيدي

لم يمر في ذهني وأنا أستذكر الأحداث الرياضية المحلية للعام ٢٠١٥ الذي سيغادرنا مع نهاية هذا اليوم إلا بيت شعر هارب من الماضِي كنت حفظته منذ زمن بعيد "شاء المسافر أن ينسى حقيبته .. وفي الحقيبةِ جرح دائم السفرِ" عام آخر سيمضي كما مضى آخرون تاركين حقائبهم المسكونة بالهموم ذاتها، وبالهدايا المتواضعة كحال سابقاتها، حقيبة تضم "صكوك الغفران" لكل إخفاق "وصحف الدعوة" التي لا تتعدى الحبر الذي تُكتب به!!

سأختار من الحقيبة حديثًا دار بيني وبين صاحبي الذي راسلني متسائلاً عن مقالتي الأخيرة المعنونة بـ "كوجاك الشجاع" وماهية الهدف من التحدث عن شخصية مثل الحكم الشهير "كولينا"؟! علمًا أن المقال امتداد لسلسلة محطات عن أشهر نجوم الرياضة وسيرتهم الذاتية المهنية منها أو الشخصيّة، الحديث مستغربًا بالنسبة لي - على أقل تقدير- ولا أعلم حتى الآن أهو استفسار شخصي أم رسالة حملها من آخر؟! خاصة وأنّه برر خوضي في سيرة النجوم بعدم قربي الكبير من ميدان الرياضة، تبرير يثير الريبة لكنّه لا يستدعي التحضير الكبير للإجابة؛ فحقيبة المسافر المنسية تحمل أجوبة لا جواب واحد، وتعري ميدان العمل الذي نتشدق به لمجابهة التنظير الذي يمثل هاجسًا لدى البعض مع أنّه بداية كل عمل حقيقي، أمّا القراءة في السيرة الذاتية فهذا أدب له مؤلفات ومؤلفيه المشاهير، وقد يقع من المؤلف عن نفسه أو عن غيره فيما يسمى بالسيرة الغيرية.

الميدان الرياضي المحلي يعني بالضرورة العظمى كرة القدم؛ لأنّ ميدان الرياضة بعموميته لا بتخصيصه يشمل منظومتنا "الغلط" التي نُسج منها حكايات "ألف ليلة وليلة" يلتحف بها البعض؛ ليستر "عوراته" ويقتل بها البعض؛ ليعوض "خيباته" أو ينكل بها الضد.. إنّها حقيبة المسافر يا صاحبي، وما ميدانك إلا صراع ضحيته "طفلة" تسمى "رياضتنا" التي تموت كل عام ولا تكبر.

سأترك الأرقام والإحصائيات التي ستتزين بها الأوراق الموثقة لإنجازات العام المنصرم، وسأركز على ميدان كرة القدم العمانية التي لا يُحسب لاتحادها -عند كثيرين - كأسي الخليج للناشئين والشباب لهذا العام، كما لا يُحسب سابقًا كأس الخليج الأولمبي وخليجي١٩؛ فثمة رجل لم يعد منذ رحل ليصنع لنا "الدجاجة التي تبيض ذهبًا" التشيكي "ميلان ماتشالا" قائد كتيبة "سامبا الخليج" وعازف كل ألحان السعادة والذي كان وكان وكان... إلخ، الرجل "المسكين" ترك "الجمل بما حمل" للفرنسي "كلود لو روا" ليسجل التاريخ بظلم إنجازًا باسم أُناس فرضهم الواقع لا أكثر!! هذا النشيد الحزين - يا صاحبي- الذي نُكبل به نظرتنا للواقع والمستقبل، كما سيحدث للمدرب القادم ذات السيناريو كلما تجادلنا عن "المنظومة الغلط" على أساس "كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ"!!

غدًا نستقبل العام الجديد، التحديات كثيرة، والفجوات تزداد وسط تيّارات عاتية، كحالنا الاقتصادي وقبله الحال الإنساني -إن صح التعبير- لاعتبارات الانتاجيّة، نمنا فقراء على سرير فاخر، فكيف النوم اليوم؟! حقيبة المسافر لا تُقدم حلول بقدر ما تضعنا أمام مشهد يجب تنظيره أولاً ومعالجته ثانيًا بالتنفيذ والمتابعة، لقد استمعت واستمتعت لمحاضرة قبل أسبوع للدكتور عبدالله اليعقوبي تحدث فيها عن "الإنسان ذلك المجهول" كانت النظرة الشمولية للفرد على أنّه طاقة مستقلة، وعلى أن الحلول تنطلق برفع قيمة الشيء دون إلغاء الآخر، مثل ما حدث فعلاً لعالمنا العربي والإسلامي؛ فقد تدنت قيمة تدبر القرآن الكريم مع إنّها الأصل مقابل رفع قيمة الحفظ والترتيل لآيات الذكر الحكيم، مما أدى للحفظ اللا واعي؛ فكان الشتات والاحتراب للتعصب الجاهلي، تمامًا - مع فارق التشبيه - لما يحدث لرياضتنا المحتاجة لرفع قيمة مُضافة سأستعيرها من حقيبة المسافر؛ حيث الحديث للكابتن ناصر حمدان اللاعب الدولي السابق في الحلقة النقاشية التي إقامتها الرؤية للتباحث عن المدرب القادم لمنتخبنا الوطني لكرة القدم حين شدد على إعداد النشء علميًا وفكريًا مما سيسهل تشكيلهم بدنيًا وروحيًا للرقي بالرياضة.

الطاقة الكامنة للإنسان يجب تعزيزها من طرف الحكومة بتغيير نظرتها للرياضة باعتبارها موردا اقتصادي ذو بيئة استثمارية جاذبة، لا لعبة ومكان ترفيه يشغل به الشباب أوقات فراغهم؛ فسد الفراغ لا يعني بأي حال من الأحوال الاستغلال الأمثل للوقت، مع ضرورة إعادة ترتيب الأولويات والاشتغال على النموذج العماني المستفيد لا المحاكي للغير، وكل عام والجميع طاقة إيجابية نحو عُمان أنقى وأجمل، وعسى أن تكون حقيبة العام الجديد مليئة بالفرح والهدايا الثمينة.

تعليق عبر الفيس بوك