365

خلفان العاصمي

ساعات معدودة تفصلنا عن أفول شمس العام الميلادي الحالي بكل ما عكسته هذه الشمس من أشعة على هذا العالم؛ سواء من الدفء أو اللهيب، لنتهيأ ونستقبل خيوط شمس جديدة ستشرق مع مطلع العام المقبل حاملة بين ثناياها 365 فجرًا جديدًا ستحكي قصة عام آخر محمل بأحداث جديدة بعضها تمنيناها وأخرى كانت خارج نطاق أمنياتنا.

ومع كل نهاية عام، نستعيد ما حفل به من ذكريات عبر آلة العرض الذهنية في مخيلاتنا، تتوالى من خلال شريطها المحمل بأحداث 365 يومًا، قد نتوقف عند بعضها ونتجاهل البعض الآخر، ليس بأيدينا ولكن هي النفس التي لا ترغب في تذكر كل شيء، خاصة تلك الأشياء التي قد تحمل آلامآ او حنينآ لشيء ما، لحدث ما، أو ربما لشخص ما.

مع نشوة استقبالنا للعام الجديد أيضًا نحتفل بوداع عامنا الحالي كأننا نؤكد بأن الوداع ليس دائمًا سلبيا بدليل أننا نحتفل بالوداع مع امتزاج لمشاعر متناقضة ما بين الفرحة بالقادم من الزمن المتمثل في 365 يومًا جديدة من عمرنا ووداع مثلها أيضًا هي من رصيد أعمارنا التي كلما نقصت احتفلنا بها، يا للعجب!

مظاهر الاحتفاء بوداع العام عامة؛ فالكلُّ يشترك بها والكل يسعى لأن يُودِّع العام بطريقته وبأسلوبه وفلسفته حتى وإن كانت هذه الفلسفة تعني أنَّ عامًا من عمرك قد انقضى، وأنَّ آخر قادم سينقضي بعد 365 يومًا، وستحتفل به أيضًا، في حين نسأل الله في دعائنا لنا ولمن نحب بأنن يهبنا العمر المديد!

دائما ما نربط بين الأمنيات والأحلام وبداية العام الجديد وكأن أحلامنا يصعب تحقيقها، إلا إذا أطَّرناها في فترة زمنية محددة وكتبناها على ورقة صغيرة لنودعها تحت مخدتنا في ليلة رأس السنة، وننام عليها لنصحو وقد انتهت سنتنا الموعودة دون أن نحقق ما حلمنا به، ونعاود الكرَّة في رأس السنة الأخرى، وهذه هي الحقيقة المسلمة لدى البعض منا وإن كان تنفيذها ليس بالشكل الحرفي الذي سردته، ولكن البعض منا يتذكر هذه الأمنيات ويرجوها وفق هذا السياق فقط، وقد يسعى لتحقيقها بناء على رغبته المبيتة غير المصحوبة بروح العزيمة والإصرار والتحدي؛ لذا فإنه يستسلم عند أول تحد يواجهه ليعود ويقول أحلامي لم تتحقق في هذا العام وأدعو الله أن يحققها لي في العام المقبل.

أعود وأتحدث عن مظاهر الاحتفاء بوداع عام واستقبال عام، وكيف هي المشاركة الجمعية في هذه الاحتفائية، ونبدأها بعالمنا الواقعي، ومن ثمَّ سأتحدث عن مشاهداتي عبر العالم الافتراضي، فمن خلال العالم الواقعي نتلمس الكثير من هذه المظاهر ولعل أولها البذخ الكبير جدًا في التسويق للاحتفاء بعيد الميلاد (الكريسماس)، خاصة من يقطن العاصمة مسقط سيلاحظ حجم ذلك من خلال المجمعات التجارية ومحلات الهايبرماركت التي تتفنن في ذلك؛ سواء من خلال نصب شجرة عيد الميلاد في مكان يتوسط المركز التجاري وبأحجام تلفت الأنظار، أو من خلال وضع بعض الزينات الخاصة بهذه المناسبة وارتداء بعض العاملين لملابس ذات اللون الأحمر وقبعة سانتا كلوز الشهيرة، وقد يقوم البعض منها بعمل تخفيضات على بعض البضائع من باب مسايرة (الموسم)، كذلك فإنَّ من يرتاد الفنادق والمطاعم السياحية سيلحظ هذا المظهر من مظاهر الاحتفاء من خلال الزينات وشجرة الميلاد...وغيرها من الممارسات الاحتفالية والتي كما أشرت أنها بمناسبة عيد الميلاد، ولكنها تُوحي لنا بقرب نهاية عامنا الحالي فتشعرنا بالمشاركة في الاحتفاء بوداعه، وفي عالمنا الواقعي نجد المشاركة حاضرة من خلال إذاعات الـ"إف.إم"، والتي تخصص مساحات خلال هذه الفترة ترغمنا على معايشة لحظات الاحتفاء حين تجرجرنا للحديث سواء المسموع المباشر أو الحديث الداخلي في ذواتنا عن أمنياتنا وأحلامنا، وكيف كان عامنا الذي سننهيه بعد يومين، وماذا حققنا فيه، وماذا خسرنا خلاله، وكيف نتأهب للعام المقبل، ومرة أخرى ما هي أحلامنا وأمنياتنا؟ ولكن هذه المرة لن نكتبها في ورقة صغيرة ونضعها تحت المخدة بل سنعلنها على الملأ.

العالم الافتراضي أيضًا يُشاركنا حفلات الوداع؛ فكثير من مواقع التواصل الاجتماعي -خاصة الفيسبوك- يصر على أن يسترجع معنا صورنا وذكرياتنا في هذا العام؛ ليفاجئنا بأحداث ربما لم تعد في ذاكرتنا، ولكن وثقَّناها لحظتها ليجمعها على شكل فيديو قصير يتمنَّى لنا من خلاله عاما جديدا قادما، مليئا بالأمنيات المحققة، وخلال هذا العام أضاف فيسبوك مظاهر احتفالية أخرى تخبرنا عن أقرب الأصدقاء الافتراضيين لدينا في عامنا الحالي...وغيرها من التفاصيل التي تضفي لنا البهجة؛ لأنه تم اختيارها بعناية ودراية بأنها هي التي نتمناها.

تعليق عبر الفيس بوك