مشاريع استثمارية.. بين مهب الريح وعتمة الأدراج

حقيبة ورق

حمود بن علي الطوقي

 

على مدار العقدين الماضيين كانت لدينا فرص ذهبية بأن ننجز العديد من المشاريع الاستثمارية ذات القيمة المضافة، ولكن بسبب البيروقراطيّة تأخرت هذه المشاريع؛ فعلى الرغم من تدشينها إعلاميًا والإعلان عنها إلا أنّها لم تر النور، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر مشروع المدينة الزرقاء والذي كانت الحكومة تعوّل عليه بأن يكون رافدًا في دفع العجلة الاقتصادية في البلاد إلا أنّه وللأسف الشديد لم ينفذ حتى هذه اللحظة، وبقيت الأرض قاحلة كما هي تنتظر الفرج.

هناك مشاريع سياحية أخرى طرحت ولم نر آثارها حتى في وقت الرخاء، وعندما كان سعر برميل النفط في قوة أوجه لم نفكر في استغلال الفرصة بتنفيذ تلك المشاريع المعلنة، وبقيت البيروقراطيّة تنخر في عظام هذه المشاريع حتى تآكلت الآموال والمخصصات وهرب بعضها إلى دول مجاورة والأخرى بقيت حبيسة الأدراج تنتظر من ينفض عنها الغبار؛ علما بأنّ الحكومة صرفت عليها الملايين وكلّفت أرقى بيوت الخبرة العالميّة بعمل دراسات الجدوى الاقتصادية ولكن للأسف الشديد لم نرها.

يرى مراقبون أنّ قطاع السياحة هو القطاع البديل عن النفط كمصدر للدخل القومي، والمتتبع للمسار السياحي يلاحظ أنّ مساهمة هذا القطاع الحيوي في الناتج المحلي ما زالت ضعيفة ولا يرقى إلى طموحات الحكومة التي سخّرت لهذا القطاع إمكانيّات هائلة جدًا، وأنشأت له شركة حكوميّة بنسبة 100% "شركة عمران" لتكون الذراع الحكومي في تنفيذ المشاريع السياحية العملاقة، رغم أنّ هذه الشركة أعلنت عن تنفيذ مشاريع ضخمة تقدر بعشرات الملايين من الريالات ودخلت في حلف مع شركات أجنبية إلا أنّ نسبة المساهمة في الناتج المحلي لهذا القطاع لم تصل بعد إلى 3%؛ الأمر الذي جعل المواطن يتساءل عن جدوى هذه المشاريع وعن عمران ومشاريعها المستقبليّة. وهل هي قادرة على مساندة الوزارة في تحقيق رؤيتها نحو الرقي بهذا القطاع.

صحيح أنّ المشروعات السياحية التي نتوقعها خلال المرحلة القادمة مهمة وسوف تدر دخلا كبيرا وتساهم في نفس الوقت بتوفير فرص عمل كبيرة لكوادرنا الوطنيّة التي تبحث عن فرص عمل جديدة إلا أنّ هناك بعض المشروعات السياحية التي ما زالت غائبة عن المواطن ويبحث عنها في دول الجوار؛ وهي التي لها علاقة بالسياحة العائلية كمشاريع الألعاب المائية وحديقة الحيوانات والمنتجعات السياحية وغيرها من المشاريع التي تبحث عن موطئ قدم لها بعيدًا عن البيروقراطية. لقد منحت وزارة السياحة خلال الفترة الماضية المستثمرين قطع أراض بمساحات شاسعة، مما أثار تساؤلا لدى المواطنين عن الجدوى الاقتصادية من منح هؤلاء المستثمرين هذه المساحات الشاسعة وماهية المستفيد من هذه الصفقات؟ أسئلة كثيرة تدور حول محور دخول المستثمرين في تطوير المجمعات السياحية وغيرها من المشاريع ذات النفع العام، والتي لم تر النور حتى الآن. وأذكر أنّ الوزارة قررت سحب هذه المشاريع وإعطاءها للمستثمرين الجادين ولا أعلم هل سحبت أم أنّها ما زالت في قبضة بعض المستثمرين الذين مازلوا يماطلون في وضع خطط جادة للاستثمار، ولم يقدموا على استثمار تلك الأراضي بمشاريع حيوية ولم يتنازلوا عنها لإعطاء الفرصة لمن هم أجدر بتنميتها؛ بل ظلوا ينظرون إليها وهي معطلة في انتظار أن تملكّها لهم الحكومة حتى يعمدوا إلى تجزئتها وبيعها كأراض سكنيّة بثمن باهظ.

يجب سحب الأراضي من هؤلاء ومنح الفرصة للمستثمرين العمانيين الجادين، فهناك شريحة كبيرة من أبناء الوطن لديها الرغبة في إدارة استثمارات سياحيّة كشركات مساهمة عامة تدخل الحكومة كشريك استراتيجي فيها، ولاشك أنّ هذه الشراكة ستعزز من قدرة شركاتنا المحلية، وستفتح المجال واسعًا لطرح جزء من رأسمال الشركة للاكتتاب العام أمام الجمهور، وستكون بذلك الحكومة ممثلة بوزارة السياحة الموقرة قد فتحت مجالا أرحب لتنشيط سوق السفر والسياحة من جهة وسوق الأسهم من جهة أخرى؛ وهذا المطلب مهم في هذه المرحلة والتي من المتوقع أن تتم فيها صياغة الاستراتيجية السياحية الجديدة مع مطلع العام المقبل.

إنّ أبواب السلطنة كما قال جلالته -أيّده الله- مفتوحة للمستثمرين الجادين.. لهذا نأمل أن تعيد الجهات المختصة النظر في الأراضي الممنوحة للمستثمرين الذين لم يوفوا بعهودهم في تنمية هذه الأراضي، ويجب أن يتم التحقق حول جدية المضي قدمًا في تنمية هذه الأراضي.

تعليق عبر الفيس بوك