ظاهرة تسيُّب الطلاب عقب تأدية الاختبارات

عيسى الرَّواحي

تبدأ، صباح غد، بمشيئة الله تعالى، اختبارات نهاية الفصل الدراسي الأول لصفوف النقل من الخامس إلى الحادي عشر، وفي العاشر من يناير ستبدأ اختبارات شهادة الدبلوم العام، سائلين الله تعالى أن يوفِّق جميع طلابنا وطالباتنا في تأدية اختباراتهم، ويشرح صدورهم ويرزقهم التفوُّق والنجاح.

وقد أشرتُ في كتاب "حديث المدارس" (ص:125) تحت عنوان "رسائل وتنبيهات قبيل الاختبارات" إلى أهمية حرص الطالب على استغلال وقته كاملا في المراجعة والاستعداد الجيد لكلِّ اختبار، مع أهمية الحضور المبكر إلى قاعة الاختبارات، والحرص على وجبة الإفطار الصباحي، وإحضار كافة الأدوات التي يحتاجها الطالب أثناء الإجابة، وركَّزتُ على بعض الظواهر التي تحدث داخل قاعة الاختبار، وكنا ولا نزال نأمل في اختفائها والقضاء عليها؛ ومنها: الاستعجال في الإجابة، وترك بعض الأسئلة من غير إجابة، ومحاولة كثير من الطلاب الغش متى وجدوا الفرصة سانحة، كما أوضحتُ أهمية وقوف الأسرة بجانب أبنائها خلال هذه الفترة بشكل أكبر، مع أهمية أن يغرسوا في أبنائهم قيم التوكل على الله والأخذ بالأسباب هذه الفترة وجميع الأحوال والأوقات.

أتطرَّقُ في هذا المقال -ونحن على مشارف بدء الاختبارات النهائية- إلى ظاهرة سلبية قد تكون عواقبها وخيمة وآثارها جسيمة تخصُّ فلذات أكبادنا من طلاب المدارس والتي تحدث خلال فترة الاختبارات؛ وهي: تسيُّب الطلاب عقب كل اختبار في الشوارع والطرقات وفي المقاهي والمحلات، وفي أماكن أخرى لا يعلمها كثير من أولياء الأمور، وتبدو هذه الصورة واضحة جليَّة عند كلِّ من يمرُّ بالقرب من المدارس والمناطق القريبة منها.

وتبدو خطورة تسيُّب الطلاب عقب تأدية الاختبارات في السلوكات الخاطئة التي قد يرتكبونها خلال هذه المدة الزمنية الكفيلة بتدمير أخلاق الابن، خاصة عندما يتلقفه رفقاء السوء، وفي ظلِّ ازدياد انتشار آفة المخدرات وما يتعلق بها...وغيرها من آفات المجتمع، وما يتزامن معه من وجود الهواتف النقالة وغياب الرقابة من قبل الأسرة والمدرسة، فلا هو داخل المنزل ولا هو داخل المدرسة، والأسرة في أحيان كثيرة تجهل موعد انتهاء ابنها من الاختبار، وتظن أنه داخل أسوار المدرسة حتى موعد عودته، وهذا التسيُّب ليس ظاهرة جديدة على المجتمع خلال فترة الاختبارات، بَيْد أنه أصبح أكثر خطرا وأشد ضررا لما أسلفت ذكره من أسباب.

إنَّ هذا التسيُّب المعهود له عدة أسباب؛ أبرزها: جهل الطلاب بقيمة وأهمية هذا الوقت خلال هذه الفترة، وعدم توافق نهاية المدة الزمنية للاختبارات لمختلف الفصول، إضافة إلى السماح للطالب بالخروج من قاعة الاختبار بعد ثلثي الوقت؛ فحسب النظام المتبع فإن الحافلة المدرسية تعود بالطلاب إلى منازلهم مع انتهائهم جميعا، في حين أن بعض الطلاب قد خرجوا من قاعة الاختبارات قبل مدة تصل إلى ساعة ونصف الساعة أو يزيد، ولا مجال أن يبقوا داخل ساحة المدرسة حتى لا يسبِّبوا إزعاجا لمن هم داخل قاعات الاختبارات، وحينها سيقضي هؤلاء الطلاب وقتهم خارج أسوار المدرسة في أماكن معلومة كالمقاهي والمحلات والشوارع، وأماكن قد تكون بعيدة عن الأنظار حتى موعد ركوب الحافلة، وبعضهم لا ينتظر الحافلة، وإنما يعود إلى منزله مشيا على الأقدام، وهذا الأمر لا يقل خطورة أيضا، علمًا بأنَّ هذا التسيُّب لا يقتصر على الطلاب الذين يركبون الحافلات المدرسية؛ فحتى أولئك الطلاب القريبين من مدارسهم يجدون فترة ما بعد الخروج من قاعة الاختبارات فرصة سانحة لهم في التجول والتسكع مع رفاقهم.

ونظرًا لأنَّ المقاصف المدرسية في أغلب المدارس تكون مغلقة فترة الاختبارات، فإنَّ ذلك يزيد من نسبة ارتياد الطلاب للمقاهي ومحلات بيع المواد الغذائية؛ مما ينتج عن هذا الارتياد سلوكات أخرى غير مقبولة عند بعض الطلاب كالسرقة والمشاجرة، علما بأنَّ الطلاب بشكل عام لا يرغبون في الشراء من المقاصف المدرسية -إن كانت مفتوحة- عندما يجدون فرصة للشراء من خارج المدرسة، وقد شاهدتُ بنفسي في أكثر من مكان بعضَ أصحاب محلات المواد الغذائية يُغلقون محلاتهم خوفا من أفواج الطلاب التي تدخل عليهم فجأة وبشكل عشوائي تنتج عنه خسارة المحل لا ربحه.

إنَّ ثمة آباء يُدركون صعوبة هذه الفترة على أبنائهم، وما قد تشكله عليهم من مخاطر؛ فيُعالجون هذا الوضع بخطأ قد يكون جسيما تنتج عنه مشكلة أكبر، وذلك عندما يسمحون لأبنائهم بقيادة السيارة والحضور بها إلى المدرسة وهم لا يملكون رخصة قيادة، ولا ريب أنَّ الابن في هذه السن -وعندما يكون برفقة أصدقائه، وغيابه عن أنظار الأسرة- فإن ذلك قد يسوِّغ له قيادة السيارة إلى أماكن غير لازمة، وبطريقة يرتكب بها مخالفات مرورية قد توصله إلى ما لا يحمد عقباه.

إنَّنا بقدر ما نُحذِّر من هذه الظاهرة وما يتبعها من مخاطر وآثار، فإننا نؤكد على ضرورة وأهمية إعطائها حقها من الدراسة والمتابعة والسعي الحثيث للحد منها والقضاء عليها. ولا ريب أنَّ التقليل من شأنها وخطورتها عائق كبير يقف في سبيل حلها، بل وعامل رئيس في زيادة انتشارها، وإذا كان معظم النار من مستصغر الشرر، فكيف عندما يكون أكبر من ذلك وفوق ما نتصوَّر، وقد علمنا عن طلاب وقعوا في حبائل المخدرات وانزلقوا في رذائل الأخلاق بسبب تسيبهم خلال هذه الفترة تلقفهم فيها رفاق السوء، حيث وجدوا الفرصة سانحة لهم والحبل على الغارب بعد فترة انتظام دراسي وانضباط سلوكي بين المنزل والمدرسة خلال فصل دراسي كامل، فحدث ما لم يكن في الحسبان ووقع الفأس على الرأس.

نأمل أن يكون هناك وعي وحذر ومتابعة من قبل الأسرة تجاه أبنائها خلال هذه الأيام وسائر الأوقات؛ فلا بد أن تقوم بالتوعية والإرشاد والتوجيه لأبنائها في أهمية استغلال وقت الإجابة كاملا في حلِّ الأسئلة داخل قاعة الاختبار، واستغلال أوقاتهم في المراجعة للاختبار المقبل عقب كل اختبار يؤدونه، والتأكيد عليهم بأهمية العودة مباشرة إلى المنزل في حال كانوا قريبين من المدرسة، أو انتظار الحافلة بجوار المدرسة، وتحذيرههم من مصاحبة رفقاء السوء، أو ارتكاب أي سلوكات خاطئة ومعاقبتهم إن حدث ذلك، وقبل ذلك لا بد أن تكون الأسرة على وعي بما يخص الاختبارات من حيث معرفة مواعيدها والمدة الزمنية لكل اختبار ومواعيد عودة الحافلة المدرسية، والقيام بمهمة إرجاع أبنائها بعد كل اختبار إلى المنزل إن أمكنها؛ فذلك خير وأسلم بدلًا من انتظارهم الحافلة فترة طويلة، كما نأمل أن يبحث المعنيون وجِهَات الاختصاص في التربية والتعليم عن حلول لهذا الأمر؛ وذلك بتوفير أماكن خاصة لانتظار الطلاب داخل المدرسة، والبحث في إمكانية إرجاع الطلاب إلى منازلهم على نقلتين بما يرضي الطرف الثاني وهم أصحاب الحافلات، كما نرجو أن يكون لوسائل الإعلام المختلفة وخطب الجمعة دور أكبر في إعطاء قضايا المجتمع بمختلف أنواعها حقها من البحث والمناقشة والتوعية والتبصير، سائلين الله -عزَّ وجل- أن يحفظ أبناءنا من الفتن ويجنبهم كل مكروه إنه سميع مجيب.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك