رشاقة الرقم 2016

جمال القيسي

ما أكثر الأمنيات على عتبة العام الجديد. وما أقل ما يتحقق. ما أجمل صورة السنة المقبلة في المخيلة المتفائلة، ويا لرشاقة الرقم 2016 ونشوة الفرح في رسمه وطلته. عام مختلف، ولن تطول الأيام حتى يصير إطارنا الزمني (التاريخي) الذي نحيا في كنفه على الصورة التي يريدها هو لا غيره، ثم حين يبلغ أرذل الأيام نؤرخ ماذا كان لنا وعلينا فيه ومنه. وهو عام ضعيف جدا يرهقه مليارات البشر بالأمنيات. عام نحمّله أكثر مما يحتمل، ونرجو منه ما لا يقدر على تنفيذ الغالب الأعم مما نبتغيه. وما هو، لو علمنا، سوى عام آخر يضاف لمنظومة العقود والقرون. يراكم أعوام التشابه والتناظر والجمود، مجرد عام يتخذ له بين باقي الأرقام الكونيّة منزلة جديدة. لبِنَة أساسيّة للأعوام التي تليه. حركة رقمية منطقية؛ إذ لا يجوز أن تقفز إلى العام الآخر المتشابه 2017 دون المرور بالرقم السابق الجديد علينا! وهذا الوصف ليس استهانة بالعام الجديد، مطلقا، بل هو رأي متابع عادي، مثل أي متابع، لأعوام عديدة عديدة مرت وانفطرت وانقضت، فقط كأرقام تكمّل الأرقام تلو الأرقام، خانات متجمعة في مصفوفة الزمن غير المتناهية. ننتهي ولا تنتهي. نذهب وتظل متابعة حركة صعودها برتابة وروتين وحياد، غير آبهة بنا أو ملقية بالا لعذاباتنا البشرية.

حين نعود إلى نهايات الأعوام نتيقن أكثر كم كنا مفرطين بالأمل، ومقبلين على الحياة، رغم تكسر النصال داخل وعلى العظام لا على النصال. نوغل في الأمنيات نهاية كل عام حيث تغرينا الأمنيات المجانية بالتمني! تسحبنا الأمنيات صوب بريقها وبهرجها رغم ضآلة إمكانيات التحقق، ونحن نعلم ذلك، ولكننا نصر على الإسراف بالتمني!

نشطّ في الأمنيات فنطلب، بتواضع، ما يتوافق مع الفطرة الإنسانية السليمة، أقل المرتجى. فإذا بالأمنيات البريئة مساحة شاسعة من المستحيلات.. تتمنى مثلا أن تنتهي الحروب ويعم السلام أرجاء العالم، يغريك في ذلك قلبك الطيب. يا للبراءة والسذاجة. كيف يا رعاك الله يعم السلام العالم؟ هذه محض أمنية مكرورة تنام في زاوية عمياء منذ حقب سحيقة في تاريخ الطيبين أمثالك. كيف يعم السلام والبشر غادروا وغادرهم السلام منذ صار الغراب معلما في دفن الشقيق. آن لك، ولمن يفهم موقع تلك الزاوية المظلمة، الكف عن التوغل في تهافت الأوهام وأضغاث الأحلام، وحري الصمت أو في أفضل الأحوال القول: على الدنيا السلام!

نراجع روزنامة العام الماضي، نقف عند الأيام الأخيرة منه فنجد تواطؤا نفسيا هائلا، إيجابيا على نحو ما! تواطؤ برفع الأكف بالتمني بأن يكون العام الجديد مختلفا، وأجمل. وأن لا يفجعنا كما فعل بنا العام الآفل، لكن في لجلجة النبرة، واهتزاز السطور، ما يشير إلى مقدار ضآلة الأمل بتحقق أي شيء من ذلك. نتمنى عليك أيها الجديد أن تمنحنا الصبر والسلوان، إذا كنت غير قادر على وعدنا بفصول زاهية.

هي محض أمنيات يا صديقي. محض مراوغات على النفس التي أرهقتها الأيام، وأبهظتها الأعوام الثقال.

علينا أن ننهض يا صديقي من ركام الفكرة؛ فكرة تهميش الزمن وتقسيمه إلى وحدات قياس بالسنة، علينا الخروج من حالة التربص البلهاء بانقلاب العمر من رقم لآخر. علينا الوقوف في مواجهة الزمن بوحدتنا النفسية كأداة قياس، وأن لا نحصي جراحنا التي تفتحت خلال التقويم الغريغوري أو غيره، فالأعوام إذا أردت أن تحسبها على مقدار دوران الفصول، والدوران حول الشمس فهي لم تبدأ منذ ألفي عام كما تعرف. الأعوام بدأت قبل ذلك بكثير ولن تتوقف سريعًا. يا رعاك الله. أنت تعرف وأنا أعرف أنّك تعرف فاخرج معي من متاهة الألفيّة الثالثة والرابعة، فالأمر والخلاص مرتبط بقدرتنا على التخلّص من العد والأعداد.

عام جديد سعيد يليق بالخروج من دوامة التعداد أتمنى لنفسي ولكم في ظل الرشاقة الظاهرة للرقم 2016.

تعليق عبر الفيس بوك