الغناء في عمان وشبه الجزيرة العربية.. انعكاس واضح للثراء الثقافي وميل فطري نحو الجمال الفني

مسقط - العُمانيَّة

تحفلُ مُجتمعاتنا العربية بالكثير من فنون الغناء التي تتعدَّد وتتنوَّع بحسب المناسبات وبحسب البيئات والمواطن التي تمارس فيها، والأدوات التي تُستخدم كذلك. فلا انفصال بين الإنسان والغناء نظرا لما يشكله الأخير من قيمة جمالية وفنية.

ولم يكن الإنسان العماني -ولا أخوه في شبه الجزيرة العربية- بعيدا عن الغناء، بل كانوا من السباقين لاختراع فنون متنوعة ومبتكرة من فنون الغناء. ولأجل النهوض بالدور الأكاديمي والعلمي في دراسة وتعقب أثر وتأثير الفنون المغناة على الإنسان في عمان وشبه الجزيرة والنظر إلى تلك الفنون من وجهة نظر ثقافية وعلمية، فإن السلطنة اتخذت خطوات مهمة لتسليط الضوء على هذه الفنون؛ حيث أقام مركز الدراسات العمانية بجامعة السلطان قابوس في العام 2010 ندوة علمية بعنوان "الفنون المغنّاة في عمان وشبه الجزيرة العربية"، وشارك فيها عدد من الباحثين المهتمين بالموسيقى من عمان وخارجها و خرجت أوراق هذه الندوة في كتاب ضمن مطبوعات مركز الدراسات العمانية تحت سلسلة محاضرات وحمل هذا الإصدار الرقم (1) وجاء في 55 صفحة من القطع الكبير. وهدفت الندوة إلى دراسة مجموعة من القضايا، كما حاولت تسليط الضوء على بعض أنواع الفنون المغناة في عمان وشبه الجزيرة العربية، وسعت إلى مقارنة الفنون المغناة في عمان مع مثيلاتها في شبه الجزيرة وذلك ببيان أوجه التشابه والاختلاف فيما بينها، وبالإضافة إلى ذلك بيان مدى تأثير الفنون العمانية وأدواتها وتأثرها بالفنون الأخرى في شبه الجزيرة العربية وشرق إفريقيا. كما عرضت الندوة لعدد من نماذج التأثير الحضاري في عدد من الفنون التي تنتشر في شبه الجزيرة العربية وشرق إفريقيا.

وضم الكتاب كلمة افتتاحية لمدير المركز ثم ثلاث أوراق عمل هي "جذور غناء العوّادين العمانيين وتطوره" للباحث العماني مسلم بن أحمد الكثيري. وورقة باللغة الإنجليزية بعنوان " الطبول وآلات القرع في صور: الإسهام والتأثير الإفريقي" قدمها الدكتور ماجد بن حمدون الحارثي، وكذلك الورقة الثالثة قدمت باللغة الإنجليزية قدمها الباحث الفرنسي جان لامبير المتخصص في الموسيقى اليمنية وعنوان الورقة "الموسيقى في عمان وشبه الجزيرة العربية: دراسة حالة". وتتناولت ورقة الباحث مسلم بن أحمد الكثيري أبرز القضايا المحيطة بالفن الموسيقي في عمان وشبه الجزيرة العربية والتي انعكست بدورها على الفنون المغناة في الوقت الراهن. كما تحدث عن الخلط بين دلالة مصطلح "الصوت" الشائع في التراث والأدب العربيين وبين الصوت الخليجي بمعناه المعاصر، بعد ان تطور المصطلح دلالة ومدلولا للتعبير عن نمط موسيقي، ثم تطرق الى العوادين المطربين الذين استعملوا آلتي "القبوس" و"العود" كآلتين وتريتين أساسيتين في المرافقة الموسيقية سواء كان منهم العازف او غير العازف، وهو نشاط استطاع بلورة نوع من الغناء له سماته وخصائصه الفنية ظهر مرتبطا فنيا وتجاريا مع مثيله من الغناء في جنوب الجزيرة العربية والخليج.

وتحدَّثتْ ورقة الدكتور ماجد الحارثي عن الطبول والآلات النقرية في مدينة صور، ومقارنتها بمثيلاتها في شرق إفريقيا، والتأثير والتأثر الذي حدث بين الحضارتين. كما تحدث عن استكشاف مساهمة إفريقيا في صناعة الفنون الموسيقية التقليدية المحلية في هذه المدينة، وبالتالي تقديم المعاني المتعددة والمختلفة لمفهوم الإفريقية مقابل الفنون العمانية في تصنيف هذه الفنون في مدينة صور التي أدت دورا مهما في الإبقاء على العلاقات التاريخية والاجتماعية والثقافية وإحيائها بين عمان وشرق إفريقيا. أما ورقة الباحث الفرنسي فقد أوضح فيها مدى انعكاس البيئة الساحلية والصحراوية على الفنون العمانية ومدى تشابهها مع فنون شبه الجزيرة العربية، كما اوضح أن التأثير الديني والجغرافي والاجتماعي قد انعكس على هذه الفنون في عمان وشبه الجزيرة العربية.

وأكَّدت الأوراق المنشورة في هذا الكتاب أن الفنون العمانية نابعة من رحم المجتمع العماني وثقافته، كما أن الأوراق قدمت قراءة تاريخية عميقة في أدوات الفنون المغناة الماثلة في العود والعوادين واظهرت تاريخهم الحافل والتصاقهم بالحراك الفني والثقافي. أبرزت جوانب من التأثيرات الحضارية مميزة للفنون العمانية المغناة عبر فضاءات التأثير والتأثر وخواص التلقي الماثل في ذهنية الشخصية المحلية ومن جانب آخر أكدت الأوراق على مصداقية الشخصية المحلية عبر تجليات الحضور العماني في شرق إفريقيا. كما أبرزت الأبحاث المنشورة في الكتاب أوجه العلاقات المشتركة بين الفنون العمانية ومثيلاتها في شبه الجزيرة العربية عبر مقارنة الأنموذج وإبراز خواص التشابه والاختلاف.

تعليق عبر الفيس بوك