كفوا عن تداول الرسائل الدينية

زينب الغريبية

كثرت الرسائل الوعظية المتناقلة، وانتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا سيما الواتساب، منها الطويل المليء بالعبر، والقصص الواقعية وربما بعضها المختلقة بهدف الوعظ، ورغم كثرتها قد تستغرب أن تصدر من نقال شخص ما كونه بعيدًا جدًا عمّا أرسل من مضامين، فكيف ينشر مثل هذه الرسالة وهو على عكس الحال، ربما حتى أن كثيرًا من الناس لا يقرأونها، أو بعضًا ممن يقرأها لا يتدبر معناها، وبعضا ممن يتدبر معناها لا يعرف كيف يطبقها، فهو لا يجيد التحلّي بما ورد فيها، نحن نعيش في عصر بعيد كل البعد عن المعاني الحقيقية التي ترد في هذه الرسائل.

بالطبع لست ضد أن تتداول مثل هذه الرسائل حتى لا يؤخذ كلامي بعكس ما أعني، ولكنّي مستاءة من الحال السائد في بلاد المسلمين من كثرة تداول هذه الرسائل التي لو رأيت من يرسلها وكأنّه يعلن صفاءً، وتمسكًا بتعاليم الدين والنصح وهو لا ينفِّذ حتى جزءًا بسيطا منها، في زمن يقول لي خالي - وهو رجل شيخ حكيم، له في الحياة خبرة طويلة عاش فيها بين أطياف متعددة من البشر بما يحملون من طبائع وسلوكيات مختلفة- : "يا بنت أختي أنت تعيشين في زمن لو لم تصنعي شيئا وفشلتي ضحك الناس عليك وعايروك، وإن صنعتي شيئا ونجحتي وأصبح لك شأنا حسدوك وتجاهلوك" خالي لا يجيد القراءة والكتابة ولكنّه يجيد فن قراءة الحياة وعلمها الذي قد لا يجيده كثيرون ممن قرأوا وكتبوا.

سأخبرك خالي العزيز بأننا في زمن كثر فيه من يتحدث في الدين والأخلاق، ويُروِّج للرسائل الدينية ولكنه لا يعمل بما تقول، حين ترسل رسالة ليشاركك أخ أو صديق أو ممن هو في سياق اهتمامك وعملك فرحك أو نجاحك، إمّا أن يتجاهل رسالتك وكأنك لم تبعث شيئا، أو تجده يرد عليك برسالة تحمل سياقًا وعظيًا بعيدًا عن مضمون ما أُرسِل له، بهدف التجاهل والتقليل من شأن ما أُرسل، هل يعي هذا الشخص يا ترى ما ورد في الرسالة التي أرسلها؟ أم هل ينوي تطبيق ما ورد فيها؟ أم أنّه وجدها الأنسب لأن تعلن تجاهله لما أُرسِل؟

انتشرت مجموعات الواتساب التي تضم مجموعات مختلفة من الناس منها مجموعات مهنية ومنها الثقافية ومنها العائليّة، ومنها مجتمعيّة عامة تضم أطيافًا مختلفة من الأشخاص، ولكن تظل تحت حكم نفس العقليات على اختلاف مكوّناتها الفكريّة، فمكونها الرئيس هو الإنسان الذي ينتمي لهذا المجتمع، وخرج من نفس العقلية التي تحكمه، حيث ينتشر فيها ما ينتشر في المجتمع، ظاهرها مجموعات للاستفادة وطرح قضايا نقاشية حسب نوعية المجموعة، وتتخللها نفس العادات في التعامل بين الناس، فلا يختلف في ذلك مثقف أو إنسان عادي، وتظل الرسائل الدينية هي الرسائل المشتركة التي تُبثُّ في جميع أنواع تلك المجموعات، ولكن هل أثرت تلك الرسائل في تغيير سلوك أي من أفراد تلك المجموعات؟!

انتشار الرسائل الدينية وعدم الاكتراث بما في داخلها، هو شبيه بوجود القرآن الكريم داخل كل بيت من بيوتنا، فمنا من لا يعرف مكان ذلك المصحف إلا في رمضان، ومنّا من يتلمس الطريق إليه بين فترة وأخرى، ومنّا من يشعر بتأنيب الضمير ويحمل القرآن ليقرأه أسبوعيّا أو يوميا، ولكن الجميع يتساوون في البعد عن ترجمة ما جاء فيه، وهذا ما يظهر من خلال التعاملات السائدة في المجتمع، وقلوب الناس التي أصبحت مكتظة بالحسد والتنافس غير الشريف، وهذا ما تطابق مع رأي سماحة الشيخ أحمد الخليلي مفتي عام السلطنة، في حلقة أهل الذكر التي بثت في يوم الثلاثاء 22 من الشهر الجاري على قناة القرآن الكريم الإذاعيّة، وكانت حلقة خاصة بمناسبة المولد النبوي الكريم، حين قال: انتشر في المجتمع التحاسد والمنافسة غير الشريفة، وأنّ حال أمتنا أصبح كمن كفينا عدونا مهمة الإطاحة بنا وما يصاحبها من خسائر بشريّة ومادية، فأرحناه وتولينا المهمة بأنفسنا للقضاء على أنفسنا، ويدعو سماحته الناسَ في نهاية حديثه إلى كيفية الاحتفاء بالنبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام وبمولده ليس بإقامة الحفلات والأمسيات، وإنّما بالسير على هداه.

لا أطلب الكف عن تداول الرسائل الدينيّة، ولكنني أستاء كثيرًا عندما تصبح تلك المواعظ الهادفة، وهذا الدين السمح الذي تستقيم الحياة مع نهجه، وتنجو الأمة مما هي فيه لو اتبعت ما ورد فيها، تتحول لرسائل جوفاء يتم تناقلها كعادة في مجتمع يحمل دينا ويتناقل تعاليمه في رسائل تعبيرًا عن انتمائه الديني، فتصبح شيئًا متداولا غير مؤثر، فأشفق على تلك الرسائل التي تحمل كل تلك المعاني الإنسانية، والتي تسمو بالروح لتجعل من البشر في تواد وتراحم وتكافل وتماسك، فكما قال د. سيف الهادي مقدم حلقة سؤال أهل الذكرالأنفة الذكر:" لم نصبح أمة كالجسد الواحد، فلا يشعر بقيّة الجسد بالسهر والحمى التي يعاني منها جزء ما من الجسد"، أشفق عليها أن يصبح حالها هكذا، تدور من هاتف جوّال إلى آخر دون أن تحدث صدى لما تحمل من معانٍ سامية.

فالعلاقات التي تجمع البشر، وحسن العشرة بينهم، وحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه، ومشاركة الآخرين أحزانهم وأفراحهم، والكلمة الطيّبة التي قد تسعد إنسانًا وتفتح أمامه أبواباً من السعادة قد لا تكلفنا شيئا سوى كتابتها في رسالة وهو ليس بذاك العناء..

" أكرموا من حولكم بكلمات جميلة، وأفعالٍ أجمل، أرواحنا خُلقت لفترة من الزمن وسترحل، ابتسموا وتناسوا أوجاعكم، فهي دنيا لا جنة، عسى اليوم يكون أجمل، وعسى أيامنا كلها أجمل، حيث سُئِل حكيم عن الطهارة فقال: اغسل قلبك قبل جسدك، ولسانك قبل يديك، وأحسن الظن.. ليس عليك إسعاد كل النّاس، ولكن عليك ألا تؤذي أحدا.. فما أجمل الدنيا إذا تصافت القلوب، وتناست العيوب، ودعت بغفران الذنوب" رسالة وصلت على هاتفي من أكثر من هاتف دعوة لقيم رائعة، لعل العمل بها يحملنا لأن نصبح في عالم راقٍ، نرتقي إلى مستوى الإنسان الذي ينشد الإسلام العظيم لأن يكون عليه المستحق لأن يحمل صفة "مسلم".

Zainab_algharibi@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك