المولدُ النبوي.. ذكرى اتِّباع

سالم الهاشمي

في هذه الأيام، تعيش الأمة على مشارف ذكرى مولد ليس كأي مولد بشري، إنه مولد خير البرية -صلى الله عليه وسلم- لذا؛ ليست القضية تكمن في المشاعر العابرة أو الاحتفالات بما يصاحبها من إنشاد وقصائد ومحاضرات لا يختلفُ اثنان عاقلان على أن هذهِ الفعاليات لها إيحاءاتها وفوائدها، مع تبجيله -صلى الله عليه وسلم- ولكن هُناك جانب يفيضُ إشراقا ومجداً وعزًّا وأكثر أهمية في وجهة نظري القاصرة؛ ألا وهو التأسي به -صلى الله عليه وسلم- في أفعالِه وأقواله وأوامره ونواهيه وفي خُلقه وخَلقه، هكذا أوصانا الله تعالى بالتأسي والحذو حذو نبيه -عليه الصلاة والسلام- قال الله تعالى: "وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ"، وقوله تعالى: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم".. وغيرها من الآيات التي تأمرنا بالتأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- والوعيدُ الشديد في مخالفة أمره الذي هو وحي يوحى من عندِ ربه قال تعالى: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى". والواقعٌ خير شاهد وبرهان يخفقُ بالكوارثِ والمصائب التي أتت من جراء مخالفة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولنضرب مثالا من فوج من الأمثال: النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخلوةِ بين الأجانب، قال عليه الصلاة والسلام: "ما خلا رجل بامرة إلا كان الشيطان ثالثهما"، ولنتأمل أحبتي واقعنا المعاصر كيف انتهكت الحرمات في بيوت الناس بسبب هذه الاختلاط بين الأجانب بدعوى صفاء القلب!! وذكر سماحة الشيخ أحمد الخليلي المفتي العام للسلطنة قصصا كثيرة وقعت يفيض منها الأسى والكدر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. على قدر اتباعنا للنبي صلى الله عليه وسلم نهنأ ونعيش في أمن واطمئنان وسعادة وحبور ويصلحُ لنا أمر الدنيا والأخرة؛ وأيضا علينا أن نستقي منه -صلى الله عليه وسلم- الحبَّ والتعاون والتكاتف ونبذ الحقد والحسد والتنافس المذموم، هكذا أوصانا عليه الصلاة والسلام: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضُكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلمُ أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى ههنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرَّات، بحسب امرئ من الشرِّ أن يَحقرَ أخاه المسلم، كلُّ المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه". ولكن لو تمعنا في واقع الأمة اليوم نرى التباغض والتحاسد والتشرذم وتفرق الشمل بين أبناء الإسلام، فليس هناك احترام للرأي والرأي الآخر، خاصة بين مذهب وآخر، وبين دولة وأخري بسبب اختلاف التوجهات والأفكار. وإذا جئنا إلى الدول والمنظمات نرى الدمار وسفك الدماء وقتل الأبرياء ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله سبحانه وتعالى يدعونا إلى التوحد وعدم التنازع قال تعالى: "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"، وقال: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ". وعلى المسلمينَ في شرق الأرض ومغربها أن يعتبروا ويتعظوا، وليراجعوا أنفسهم من هذه النزاعات الجاهلية الأولى، والحذر من نزعات الشيطان والعياذ بالله،، العزةُ والقوة لن تكون إلا بعودةِ المسلمين إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة وتطبيقهما في حياتها. وبهذه الخصال الحميدة، نحتفل بالمولد النبوي الشريف لنستقي منه ونطبقه ليس ليلة وليلتين، وإنما في سائر حياتنا اليومية، وليكون احتفالنا بالمولد احتفالا في كل نفس من أنفاسنا.. في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية...وغيرها.

وعلى كلِّ فرد أو جماعة، سواء كانوا آباء أو معلمين، أن ينشروا عطر السنة النبوية في كل مكان؛ سواء كان قولا أو فعلا. وصلى الله على سيد الثقلين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

تعليق عبر الفيس بوك