كيف تصبح ماركة؟

أسماء القطيبي

"حساب متخصص في بيع أكياس الماركات الشهيرة"، يسعدني عزيزي القارئ أن أعرفك على هذا الحساب الذي يتابعه آلاف الناس عبر العالم، وإذا ما أردت التجربة فكل ما عليك فعله هو أن تختار الماركة وعدد الأكياس المطلوبة لتصلك بعد دفع ثمنها إلى بيتك جاهزة للاستعمال. ولعلك تسأل هنا، لماذا تحتاج هذه الأكياس؟ وما الغرض الذي ستستعملها لأجلها؟. حسنا، في الحقيقة لا توجد إلا طريقة واحدة لاستخدام هذه الأكياس ألا وهي حملها في الأسواق وبالذات في المراكز التجارية الكبرى التي تتوفر فيها محلات الماركة إيّاها. ولتجعل الأمر حقيقي أكثر، وغير قابل للشك بإمكانك وضع بعض أغراضك التي تساوي ربع ثمن أرخص منتجات الماركة التي تحملها بداخل الأكياس. وهكذا ستتمكن من التباهي أمام الناس الذين لا تعرفهم ولا يعرفون عنك سوى أنك الشخص الماركة، وكم ستبدو شخصًا محظوظا إذا ما ألتقيت بأحد أصدقائك أو معارفك بالصدفة، فأنت بالكاد تستطيع أن تمد له يدك لتصافحه نظرا لكثرة الأكياس التي تحملها في يديك.

إذا لم تروق لك أيّها القارئ العزيز فكرة الأكياس الفارغة، ووجدت أنّها مزيفة ومبالغ فيها فسأعرض عليك طريقة أخرى لتصبح الشخص الماركة، وهي شراء المنتجات المقلدة للماركة الأصلية. فمثلا في حالة رغبت باقتناء ساعة "رولكس" ولكن قدرتك الشرائية لا تسمح لك بذلك فالحل في أن تشتري ساعة "رولكس" المقلدة، ولا تقلق أبدا فإنّ أحدا لن يشك في أنّها ليست الساعة الأصلية، وكلما أخترت درجة تقليد أعلى كلما تمكنت من إظهار ساعتك بكل ارتياح حتى أمام بائع الساعة الأصلية وفي محله.

الشخص الماركة ليس وليد السنوات القليلة الماضية، فبدايات ظهوره كانت منذ ظهور الرأسمالية وانتقال الناس في الغرب من الريف إلى المدن، فهذا الشخص البسيط الذي كان لا يحلم بأكثر من قوت يومه بدأ يتعرف على حياة المدينة التي ترتدي ملابس لا تشبه ملابسه، وتأكل طعاما غير الذي يأكله فبدأ يشعر بغرابته واحتاج أن يؤقلم نفسه بحيث يبدو منسجما مع الحياة حوله، فكانت وسائل الإعلام هي الدليل الأمثل لتحويله ظاهريا إلى رجل من المدينة. هذا التحول جعله يذوب في وسط الجموع لكنه بالمقابل اثقله بالديون ، وبالأحلام التي لا تتناسب مع دخله المحدود. ولنفس السبب فإن الشخص الماركة في عصرنا الحالي يحاول جاهدا أن يواكب حياة الناس الذين يتابعهم في الانستجرام وسناب شات، تلك الحياة المليئة بالحفلات والأسفار الدائمة. لأنها ببساطة تشكل بالنسبة له الحياة العصرية السعيدة. وها هو مجددا يقع في فخ الديون المتراكمة والرغبات المؤجلة.

ومن الملاحظ أن النساء هن الأكثر هوسا باقتناء الماركات -أو التظاهر باقتنائها على الأقل، ولعل ذلك يرجع إلى أنهن أكثر اهتمامًا بالمظهر الاجتماعي ، كما أن المرأة بحاجه دائمة إلى تعزيز شعورها بأنها جميلة وأنيقة، وصناع الماركات يحرصون على التأكيد على هذه الصفتين في منتجاتهم الباهظة الثمن. كما أنهن أكثر حبا للمباهاة أمام نظيراتهن، لذا فعند بعضهن شراء منتج من الماركة الفلانية هي غاية في حد ذاتها، واستخدامها أمر ثانوي يأتي لاحقا.

هناك العديد من النظريات التي تحاول تفسير أسباب ولع الناس باقتناء الماركات، وأسباب تفاوت تعلق الناس بشراء المنتجات الباهظة رغم أنهم يتعرّضون تقريبًا لنفس الرسائل الإعلاميّة منها نظرية التأثير الانتقائي والتي ترجع السبب إلى عوامل عدة مثل توجهات الشخص نفسه، وبنيته النفسية، والأسباب الوراثية والمجتمعيّة. ونظرية العوامل الاجتماعية التي ترجع أسباب التأثر إلى عوامل السن والجنس والتعليم والوظيفة. وتسعى هذه النظريات إلى تفسير الظواهر المتطرفة المتعلقة بالشراء مثل "الفان بوي" وهي ظاهرة تعلق بعض الأشخاص بماركة معينة والحرص على شراء منتجاتها في أول عرض لها في الأسواق، والترويج لها، وعدم تقبل أي انتقاد حولها. وعن طريق دراسات كيفية تستمر لسنوات من المتابعة يحاول الخبراء تطوير نظرياتهم بخصوص "الشخص الماركة" المعاصر، لفهم الأسباب والدوافع من أجل التوصل إلى وعي يجنب الناس الانجراف في ما لا يحمد عقباه.

تعليق عبر الفيس بوك