لماذا تدفع الشعوب العربية أثمانا باهظة؟

فهمي الكتوت

كشف التقرير الصادر عن المنتدى الاستراتيجي العربي بدبي عن حجم الخسائر الفادحة التي لحقت في الدول العربية خلال السنوات الأربعة الماضية بسبب أعمال التخريب. فقد تكبدت الدول العربية نحو 1.34 مليون قتيل وجريح، نتيجة الحروب المستعرة والعمليات الإرهابية، وتم تشريد أكثر من 14.389 مليون لاجئ. أما الخسائر المادية والاقتصادية فقدرها التقرير بنحو 833.7 مليار دولار أمريكي، شملت تكلفة إعادة البناء، وخسائر الناتج المحلي، والسياحة، وتكلفة اللاجئين، وخسائر أسواق الأسهم والاستثمارات. وقد استند التقرير على معلومات البنك الدولي، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهيئات متخصصة تابعة للأمم المتحدة. أما اللغز؛ فعدم شمول ثمن الأسلحة التي انفقت للمجمع العسكري الرأسمالي، كما لم تشمل المنازلة السعودية - الروسية في مجال النفط!

تم إلحاق أفدح الخسائر بالوطن العربي؛ عقابا للشعوب العربية على انتفاضتها في وجه مصالح الاحتكارات الرأسمالية. ورفض سياسة الارتهان لمصالح الإمبريالية والصهيونية، فالوطن العربي زبون مهم للاحتكارات الرأسمالية العالمية، لن تفرط به بسهولة، والتحركات الشعبية استهدفت تغيير الشروط المذلة التي فرضها - صندوق النقد والبنك الدوليين-من إفقار وتجويع للشعب. ما دفع الدوائر الإمبرياليّة والصهيونية للتدخل، من خلال أدواتها في الوطن العربي باستهداف سوريا، واستغلال الوضع الناشئ في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، لإدخال الوطن العربي في أتون حرب لا مثيل لها في التاريخ.

دعنا نقول إنّ استدراج الدول العربية لفخ المديونية بهدف حرمانها من تحقيق استقلالها الاقتصادي، وإعادة فرض التبعية المطلقة عليها.. فبعد إغراقها بالمديونية بدأت اقتصاداتها تتحمل أعباء خدمة الدين (أقساط وفوائد) باقتطاع جزء من موارد الدولة لتسديد التزامات الدائنين، وبدأ يلحظ المواطن أثر هذه السياسات على الأسعار بارتفاع معدلات التضخم، بلغت فائدة الدين العام على الأردن على سبيل المثال عام 2008 حوالي 8% من النفقات الجارية، ودعم المواد التموينية 8% ارتفعت فوائد الدين إلى 15% من النفقات الجارية لعام 2015 بينما تقلص دعم المواد التموينية إلى 3%.

وهناك علاقة مباشرة بين خدمات المديونية وعائدات الصادرات. وفي حال اختلال هذه المعادلة تصبح الدولة غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها اتجاه الدائنين، على سبيل المثال، بلغت نسبة خدمة الدين العام الخارجي إلى الصادرات في عام 1992 في (مصر 16.2% واليمن 18.1% والأردن 23.6%) كما بلغت متأخرات السداد المتراكمة على مجموعة من الدول العربية 19.919 مليار دولار لنفس العام، منها (مصر 1998مليون دولار الأردن 1134 مليون دولار اليمن 1256مليون دولار) وفقا للتقرير الاقتصادي العربي لعام 1994.

الأمر الذي دفع الدول المدينة الطلب من الدائنين بإعادة جدولة ديونها، ولتحقيق مطلبها عليها أن تخضع لسياسات "الإصلاح الاقتصادي" التي تعرف بسياسات "التثبيت الاقتصادي لصندوق النقد"، وبرنامج "التكيف الهيكلي للبنك الدولي". والبرنامجان يتقاطعان بعدة نقاط، وينطلقان من تخطي السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الدول المدينة، وللخروج من المأزق عليها أن تلتزم بشروطهم بأحداث تغييرات جذرية وبتكلفة اجتماعية عالية، وأبرز شروط صندوق النقد الدولي تتضمن ما يلي:

1- موازنة الدولة: تقليص الدعم للسلع التموينية لتصل مرحلة تحرير الأسعار، واخضاعها لآلية السوق، ورفع أسعار الخدمات بشكل عام، والنقل والمواصلات والاتصالات والتعليم والخدمات الصحية، ووقف سياسة التوظيف للخريجين الجدد، والتوقف عن منافسة القطاع الخاص في الاستثمار، وحصر دورها في تهيئة البنية التحتية، وزيادة الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة المبيعات.

2 - ميزان المدفوعات: تخفيض قيمة العملة المحلية بهدف تحسين القدرة التنافسية للصادرات، وتخفيض قيمة الواردات نتيجة ارتفاع تكلفتها، على أن يتم ذلك في إطار تحرير التجارة الخارجية وإزالة الحواجز الجمركية، وتحرير أسواق رأس المال.

أما أبرز شروط البنك الدولي فهي تتضمن ما يلي:

1- برنامج التكيف الهيكلي، تحرير الأسعار ومنع تدخل الدولة في تحديد أسعار السلع أو الخدمات، ويعتبر البنك تدخل الحكومة؛ تشويها للأسعار يكبح الحوافز، ورفض سياسة تحديد حد أدنى للأجور، ووقف دعم السلع، أو مدخلات الإنتاج سواء عن طريق خفض الفوائد أو بطرح سياسة ضريبية تفضيلية للزراعة أو الصناعة، كما يطلب البنك تخلي الدولة عن تقديم الخدمات العامة، (المياه، الكهرباء، التعليم، الخدمات الصحية)، ليتولاها القطاع الخاص.

2- نقل الملكية العامة للقطاع الخاص، ويعتبر البنك أنّ سياسة التخاصية من أهم مكونات إعادة الإصلاح الاقتصادي، ويبدأ الحديث في هذه الدول عن خصخصة المؤسسات المتعثرة، ومن ثم الشريك الاستراتيجي، وينتهي بالتخلي عن مؤسسات الدولة للاحتكارات الأجنبية، وتردد أبواق هذا النهج أنّ الدافع وراء التخاصية تشجيع الاستثمار، لكن النتيجة استبدال الملكية المحليّة بأجنبية، وليس دعم الاستثمار، وتحرير التجارة الخارجية، بخفض الرسوم على الواردات، والتخلي عن حماية الصناعة المحلية، وعن الدعم المباشر للصادرات ضريبيا.

من الطبيعي أن تفضي هذه السياسات الانكماشية إلى ارتفاع معدلات البطالة بسبب تراجع الدولة عن دورها الاجتماعي، وبتراجع دورها الاستثماري، وخفض الانفاق العام على الخدمات، ما يعني زيادة تكلفتها، كما أدت سياسة التخاصية إلى فصل أعداد واسعة من العاملين في المؤسسات التي انتقلت ملكيتها إلى القطاع الخاص، وارتفعت تكلفة الرعاية الصحية والتعليم. وارتفاع معدلات التضخم وانهيار القيمة الشرائية للأجور، وإفقار الشعوب العربية. وقد أجمعت الشعوب العربية في انتفاضتها ضد سياسات الفساد والاستبداد على رفض السياسات الصندوقية، وتحقيق العدالة الاجتماعية. مما يحرم الاحتكارات الرأسمالية زبونا دسما.

تعليق عبر الفيس بوك