تعقيب على بعض منتقدي مقالي الأخير عن (الإخوان)

صالح البلوشي

أثار مقالي الذي نشر الأسبوع الماضي في هذه الصفحة بعنوان: (الإخوان، حركة إسلامية أم انتهازية؟) بعض ردود الأفعال الساخنة والأسئلة في برنامج التواصل الاجتماعي "تويتر"، وكذلك بعض مجموعات الواتساب، خاصة من المؤيدين للفكر الإخواني؛ ولكن قبل أن أعرض آراء المنتقدين أنقل بدايةً رأيا جميلا للشيخ خالد الوهيبي غرّد به في تويتر تعقيبا على المقال حيث قال: "تحتاج جماعة الإخوان إلى مراجعات (عميقة) من الداخل، سواء الموروث الفقهي الذي تتبناه أو نهجها السياسي/ الاجتماعي"، ومن المؤسف أنه رغم سنوات المحنة الطويلة التي مرت بها هذه الجماعة بسبب كثير من سياساتها الخاطئة، وعدم استفادتها من تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا؛ إلا إنها لم تبادر إلى مراجعة تلك السياسات أو قراءتها قراءة نقدية، رغم أن الجماعة الإسلامية بادرت إلى ذلك سنة 1997 -بغض النظر عن رأينا فيها- واستطاعت بذلك أن تخرج من السجون في تلك الفترة؛ ولكن الإخوان لم يفعلوا ذلك رغم الانشقاقات العديدة التي تعرض لها الحزب وخروج بعض قياداته الكبيرة مثل: ثروت الخرباوي ومختار نوح وعبد المنعم عبدالفتوح الذي أسس حزبا آخر بعنوان: حزب مصر القوية وغيرهم.

أما الإخوة الذين انتقدوا أو هاجموا المقال فجلهم من المنتمين أو المتعاطفين مع هذه الجماعة، فقد هاجم أحد المنتمين للإخوان المقال؛ وقال: بأنه يندرج ضمن المقالات التي يكتبها "الحاقدون على الإسلام والمسلمين"، وأنها: "معروفة سلفا بأباطيلها وكذبها ومصادرها التي هم مؤلفوها"، وكنت أتمنى من الأخ الفاضل أن يبين لنا الأكاذيب -حسب قوله- التي جاءت في المقال، وهل ما نقلناه عن حسن البنا والقرضاوي هو صحيح أم لا؟، وهل ما كتبناه عن زحف قيادات الإخوان جماعات وفرادى إلى طهران سنة 1979 بعد انتصار الثورة الإيرانية وتهنئة الخميني بانتصار الثورة، هو صحيح أم افتريناه عليهم؟ وهل ما ذكرناه عن تحالف إخوان سورية مع البعث العراقي وتحالف أخوان العراق مع البعث السوري الذي حدث في الثمانينيات وما بعدها صحيح أم لا؟ ولكنه للأسف لم يفعل ذلك؛ لأننا تعودنا من هذه الفئة مقابلة الأدلة بالسباب والتفسيق والتضليل والتكفير، واتهام كل من يخالف الإخوان أو السرورية بالانسلاخ عن الدين والشريعة؛ وكأن الله سبحانه وتعالى أنزل شريعته الربانية على هذه الفئة فقط وكل من خالفها فهو في نار جهنم خالدا فيها أبدا.

وطرح أحد الإخوة سؤالا وهو: "هل إن الإخوان المسلمين لم تكن لهم طوال مسيرتهم في العمل الحزبي سوى السلبيات فقط؟ ألم يتضمن تاريخهم أي إيجابيات"؟ وبالتأكيد فإنه لا تخلو أية تجربة بشرية من الإيجابيات والسلبيات؛ ولكن هناك تجارب تغلب عليها الجانب الإيجابي، بحيث تطغى على الجوانب السلبية فيها مثل: العلمانية والليبرالية والحداثة والتنوير وغيرها، رغم أنّ المفكرين والفلاسفة الأوروبيين بدأوا في السنوات الأخيرة بمراجعة هذه المفاهيم ونقدها وتفكيكها، وهناك أيضا تجارب طغى عليها الجانب السلبي، بحيث أصبح من الصعوبة الحديث عن إيجابياتها ولعل أبرز هذه التجارب الحركات الإسلاموية الحزبية وخاصة الإخوان المسلمين؛ ولذلك خرج كثير من العلماء الذين كانوا ضمن الإخوان من الحزب، وقام بعضهم بكتابة مقالات وكتب تكشف حقيقة هذه الجماعة وزيف المبادئ التي تدعو إليها، ولعل أحد أبرز هؤلاء هو الشيخ محمد الغزالي الذي فُصل من جماعة الإخوان بعد خلاف حاد بينه وبين قيادة الجماعة وألف كتابا تحت عنوان: (من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث) هاجم فيه بعض قيادات الإخوان، كسيد قطب وحسن الهضيبي، وقال عنهما كلاما شديدا، وقرأت أن الغزالي حذف بعض هذه العبارات في الطبعات التالية للكتاب بضغط من بعض قيادات الإخوان، ولكنها موجودة في نسخة سنة 1963 من الكتاب، ومنهم الشيخ سيد سابق صاحب كتاب (فقه السنة)، بل حتى الشيخ يوسف القرضاوي نفسه هاجم الإخوان في كثير من كتبه ومحاضراته منها: مذكراته بالإضافة إلى لقاء تلفزيوني عن سيد قطب في حوار مع ضياء رشوان، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، في برنامجه "منابر ومدافع" الذي كان تبثه قناة "الفراعين" الفضائية، بثته القناة مساء الجمعة 8 يوليو 2009م، حيث قال: إن الأفكار التكفيرية التي جاء بها سيد قطب في كتاباته، وخاصة كتابه (معالم في الطريق) ليست على منهج أهل السنة والجماعة الذي ارتآه جمهور الأمة، محملا قطب المسؤولية عن أفكاره وليس الإخوان، ومؤكدا أن هذه الأفكار التكفيرية لا توافق فكر الإخوان المسلمين، لأن فكر الإخوان ليس فيه تكفير، كما قال.

وكتب آخر في تويتر ردا علي: "مؤسف أن ينحدر مستوى كتابنا إلى الإشاعات والتجني المبتذل، مؤسف أن تنجر صحفنا تبعا لمعارك يخوضها الآخرون ضد المسلمين ورموزهم". ولا أدري أين الهجوم على المسلمين ورموزهم في المقال؟ وهل نقل رأي ذكره الشيخ يوسف القرضاوي في أحد كتبه يعدُّ هجوما عليه؟ أو هجوم على الإسلام؟، من المؤسف أن كثيرا من الإخوان ومؤيديهم يعدون أن أي نقد يوجه للإخوان هو بالضرورة نقد للإسلام وهجوم عليه، وأي نقد لعالم أو مفكر ينتمي إلى الإخوان وكأنه هجوم على الدين نفسه، مع أن الحركات الإسلاموية تهاجم بعضها بعضا، وكل جماعة تنتقد الأخرى، حتى وصل الأمر بينهم في السنوات الأخيرة إلى التفسيق والتكفير بل والقتال أيضا.

بقي القول إن على الجماعات الإسلامية وخاصة (الإخوان المسلمين) أن تمارس النقد في خطابها السياسي والديني، وأن تكف عن ممارسة الوصاية على الآخرين والادعاء أنها تمثل شريعة الله في الأرض، وأن كل من يخالفها هو كافر زنديق، وأن تختار بين أن تمارس السياسة بألاعيبها وبرجماتيتها، أو أن تمارس الدعوة الإسلامية؛ لأن السياسة ما تدخلت في شيء إلا أفسدته. وخلط الدين بالسياسة يفسد الدين والسياسة معا.

تعليق عبر الفيس بوك