تنظيم شؤون الحجاج وأملٌ بعهدٍ جديدٍ

عيسى الرواحي

لعلّ من أبرز أحداث العام الهجري المنصرم ١٤٣٦هـ على الصعيد المحلي تفاقم أزمة الحجاج، وما نتج عنها من إرجاع آلاف المواطنين من المنافذ الحدودية إلى ديارهم؛ لأنّهم لا يملكون تصريحًا رسميًا يسمح لهم بأداء فريضة الحج، وقد حمَّلت وسائل الإعلام المحليّة ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية أصحاب الحملات غير الرسميّة أو كما يسمونها بالوهميّة مسؤولية ذلك؛ رغم أنني أتوقع أنّ تسمية الحملات غير الرسميّة بالوهميّة قد جانبها الصواب؛ كون أنّ أغلبهم كانوا يبلغون المواطنين قبل تسجيلهم بأنّهم لا يملكون بطاقات الحج الرسميّة، كما أنّهم كانوا يسلكون في الأعوام السابقة ذات المسلك في تسيير قوافل الحجاج دون حدوث هذه المشاكل.

وإذا أردنا أن نتعلّم ونستفيد من كل أزمة نواجهها؛ فإنّ الدروس والفوائد لن تتحقق من الأزمات ما لم يكن هناك تشخيص حقيقي لأسبابها، وتحميل كل طرف مسؤوليته، ورغبة جادة في التعلم من الأخطاء وتلافيها، والعمل على التطوير نحو الأفضل.

ولا خلاف لدينا في أنّ منع أصحاب حملات الحج غير الرسميّة في الذهاب إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج من صميم التنظيم والعمل وفق القوانين والأنظمة، بل إنّه ضرورة لابد منها في ضوء معطيات ومقتضيات العصر؛ وكما هو معلوم فإنّ مصلحة الجماعة مقدمة على مصلحة الفرد، وقد لمس الحجاج العمانيون خلال موسم الحج المنصرم في المخيّمات والأماكن الخاصة بهم التنظيم الحسن، والتهيئة المناسبة ولله الحمد، ودائمًا فإنّ النظام لا يأتي إلا بخير، ولكننا في ذات الوقت ننشد أن تكون هناك حلول جذرية وأنظمة واضحة وإجراءات واقعية من الجهات المختصة بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية ترضي جميع الأطراف، وتحقق العدالة للجميع.

وبما أنّ أمر المؤمن كله خير، وعسى ما يكرهه يكون خيرًا فلعلّ من حرموا أداء فريضة الحج للموسم المنصرم قد آجرهم الله بصدق نواياهم؛ فنيّة المؤمن خير من عمله، كما نعتقد كذلك أنّ مع العسر اليسر، وبعد الشدة الفرج، ومن المحن تأتي المنح، ولذا فإننا نستبشر خيرا ونتفاءل كثيرًا بالإجراءات الجديدة المتوقعة التي أعلنت عنها وزارة اﻷوقاف والشؤون الدينية لتنظيم شؤون الحجاج وتسجيلهم لموسم الحج القادم عبر المنفذ الإلكتروني، والذي من المتوقع أن يبدأ خلال هذه الشهر الهجري، كما أشارت إلى ذلك جريدة عمان في عددها الصادر 4 محرم 1437هـ 19 أكتوبر 2015م.

وحسب ما نشرته جريدة عمان في ذات الخبر فإن النظام الجديد يقتضي بأن يكون تسليم بطاقات الحج للمواطنين الذين تنطبق عليهم الشروط، وليس لأصحاب الحملات الرسمية وهذا الإجراء الرشيد سيضع حدًا لبيع البطاقات ورفع أسعارها وكسر سقف السعر المبالغ فيها من قبل أصحاب الحملات الرسميّة؛ حيث إنّ صاحب الحملة الرسميّة لن تخصص له أي بطاقة، وإنّما سيسجل معه المواطنون المالكون لبطاقة الحج في حال رغبتهم الالتحاق بحملته، وهذا يقتضي منه أن يُحسّن من مستوى الخدمة التي يقدمها للحجاج، ويضع السعر المناسب، وبهذا الإجراء سيتحقق التنافس بين أصحاب الحملات الرسميّة؛ فصاحب الخدمة الأفضل والسعر المناسب سيكثر معه تسجيل الحجاج، ويسمح له بذلك وفق العدد الذي يمكن أن تستوعبه حملته دون حكره بعدد محدد حسب البطاقات التي يستلمها كما هو الحال في السابق.

ومن المتوقع أن يكون هذا التنظيم الجديد حسب مراحل أولاها أن يقوم المواطن بالتسجيل ووضع بياناته عبر الموقع الإلكتروني الذي ستعلن عنه الوزارة وستحدد له فترة محددة، بعد ذلك ستكون عملية فرز النتائج وهو إعلان الأسماء الذين تنطبق عليهم شروط الذهاب إلى الحج في الموسم المذكور، وبعدها سيضع أصحاب الحملات الرسمية عروض أسعارهم وخدمات حملاتهم، وما يتعلّق بها وتكون جميع هذه الحملات وخدماتها وأسعارها معروضة واضحة لدى الجميع في المنفذ الإلكتروني، وعلى ضوئها يختار المواطن الحملة التي يريد الالتحاق بها، وقد يسمح له في مدة معينة حرية تغيير الحملة إذا أراد ذلك.

وبما أنّ العدد المسموح به للحجاج العمانيين هو أحد عشر ألفًا ومائتا حاج (11200) والراغبون في أداء شعيرة الحج يفوقون هذا العدد بكثير، فإنّ الشخص الذي لم يسبق له أداء فريضة الحج أولى من الذي أدّاها، وكبير السن أولى من الأصغر منه سنًا، وصاحب المحرم أولى من الذاهب بنفسه، وعلى ضوء هذه المعايير مجتمعة يتم اختيار العدد المحدد للموسم الذي يتم فيه التسجيل وفق النظام الإلكتروني الذي يشبه نظام القبول الموحد حسب ما أشارت جريدة عمان في الخبر الآنف الذكر، وبهذه الطريقة ستتاح للجميع فرصة أداء شعيرة الحج، ومن لم يكن نصيبه هذا العام، ففي العام الذي يليه بإذن الله تعالى، على أننا نأمل أن تكون جميع الأسماء المُصرح لها بالذهاب إلى الحج مدرجة كلها في المنفذ الإلكتروني تحقيقا لأعلى درجات العدالة والنزاهة.

ومما ينبغي أن نشير إليه بأنّ الحاج وإن كانت لديه بطاقة رسميّة فإنّه لا يسمح له بأن يذهب إلى الديار المقدسة بسيّارته الخاصة أو بطرقه الخاصة، وإنّما لابد أن يلتحق بحملة رسمية، ولا يسمح له كذلك ببيع بطاقته أو تسليمها لشخص آخر.

ومما لا بد أن نشير إليه أيضا أنّ ما يطالب به كثير من المواطنين في زيادة عدد الحملات الرسمية وعدم حكرها على العدد المحدد الذي يبلغ حاليا مائتين وعشر (210) حملات تقريبا، والذي بدوره سيساعد بشكل كبير على خفض الأسعار، فإنّ هذا المطلب ليس بيد وزارة الأوقاف ولا من اختصاصها، وإنّما هو بيد الجهات المعنيّة في السلطات السعودية، فهي التي تحدد عدد الحملات.

وإذا كان هذا الإجراء ليس من اختصاص وزارة الأوقاف فإنّ ما نرجو تطبيقه على أرض الواقع بألا تكون تصاريح هذه الحملات محصورة في أسماء معينة تتكرر سنويا، فكل حملة ترتكب مخالفات إدارية أو قانونية أو تكون درجة رضا الحجاج عنها ضعيفة فإننا نطالب بسحب الترخيص عنها، وإعطائها لحملة أخرى تنطبق عليها الشروط.

كما نأمل أن تكون من ضمن الإجراءات الجديدة المرتقبة لتنظيم شؤون الحجاج هو تقسيم حملات الحج إلى درجات حسب مستوى الخدمة ومكان السكن وكل ما يتعلق بها، وكل درجة يحدد لها سعر محدد لا يحق لصاحبها أن يتجاوزه ومن باب المنافسة يحق لصاحب الحملة أن يخفض سقف المبلغ المحدد له، وأهميّة أن تكون الشروط العامة التي يجب أن يلتزمها جميع أصحاب حملات الحج بمختلف درجاتها واضحة معلومة لدى الجميع.

إنّنا نوقن جيدًا بأنّ هذه الإجراءات المُرتقبة وغيرها - مما لم تتضح معالمها بعد - تسير في المسار الصحيح، وسوف تقضي على كثير من المشاكل المُتعلقة بتنظيم شؤون الحجاج، وستحقق المحامد المرجوة بإذن الله تعالى، ولكن شرط أن تتحقق الأمانة والإخلاص عند القائمين بهذه المسؤولية، وعلى المواطن كذلك أن يقوم بدوره من حيث وضع البيانات الصحيحة وفي الفترة المحددة، والتعاون مع الجهات المختصة بالوزارة في كل ما يتعلق بأداء هذا الركن العظيم.. والله المستعان.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك