لماذا نسخر؟

أمل السعيدية

 

لماذا نسخر؟ هذا السؤال بالغ الأهميّة في عالم موغل في الحرب، عالم منتهك، معروض كل من فيه للبيع في عملية مساومة غير عادلة بالمرة، فالإنسان اليوم لا يواجه مأساة الوجود، ولا يبحث عن إجابات عن أسئلة من قبيل: من أنا؟ ماذا أفعل هنا؟ ولماذا أفعل ما أقوم بفعله؟ لماذا أتألم بهذه الطريقة؟ لماذا أشعر أنني معرض للخدش في كل ثانية؟ لماذا أتقدم في العمر؟ هل أخلد؟ هل من المهم أن أكون خالداً أو أن أمر على الحياة دون أن أترك أي أثر يدل عليّ؟ ليست هذه الأسئلة فحسب، بل وجد نفسه يركض في مضمار لسباق لا يعرف كنهه. يقال إن من يقف وراءه الطبيعة الإنسانية. ويقدم آخرون تبريرات أخرى لها علاقة بالماورائيات، فهو معرض للحرب؟ للأسلحة الكيماوية والقنابل الذريّة، معرض لحكومات مستبدة تفتك وتقتل دون أن يحاكمها أحد، معرض لأديان وثقافات تزدريه إن كان امرأة على سبيل المثال. أصبح الإنسان اليوم سلعة حالها ككل السلع، ولابد أننا صغاراً سمعنا عن قصص إنتاج التفاح بكميّات هائلة والتخلص من كمية كبيرة منه في عرض البحر، حتى لا يغرق السوق بالتفاح، فيصبح العرض أكثر من الطلب مما قد يؤدي إلى انخفاض أسعار التفاح. يلجأ التجار إذن لهذه الحيلة ليحافظوا على الأسعار المرتفعة التي يبيعون بها التفاح. وإن كانت هذه أسطورة من الأساطير المعاصرة التي يتداولها الإنسان اليوم، إلا أن المضحك في الأمر أننا أمام ما نواجه من مصائب نجد أنفسنا حائرين، مترددين أمام مثل هذه الأقاويل، فما يحدث في العالم يقول: نعم لا مستحيل، لا مستحيل ابداً، حتى بأن يتم رمي أطنان من التفاح في البحر في الوقت الذي يعاني فيه الكثير من البشر في دول كثيرة من هذا العالم من الجوع. وأمام هذه الحيرة، أمام هذا الشك والتردد نجد أنفسنا واقفين على بلاطة صغيرة في هذا الكون ولا نملك أي ثقة بأي شيء، ولم يعد لدينا ما نخسره، فلا قانون يحكم ارتباط الإنسان بالإنسان ولا قيم ولا مثل عليا تدفعه لأن يتصرّف بالطريقة المتوقعة.

ولأننا خسرنا قدرتنا على التوقع، ماذا بقي لنفكر فيه؟ خصوصاً وأنّ لغتنا التي سنفكر بها تفترض وجود نظام فيما الواقع سريالي، بالغ في الضرب بكل أشكال النظام عرض الحائط، إنه عبثي، يصيب بالإحباط، هائل أمام قدرتنا على تصوره. كم مرة صديقي القارئ سمعت قصصاً غريبة وقلت في نفسك أو لمن حكى لك هذه القصة: "معقول في كذا؟" "بماذا فكر هؤلاء؟" "من أين جاؤوا بكل هذا العفن؟"، لا تستغرب إن قلت لك أنك محظوظ لأنك مازلت قادراً على أن تتعجب وتصدم وتدهش في هذا العالم. أذكر أنني قرأت عن الكتابات اللاذعة التي تعرضت للفيلسوف المعروف إيميل سيوران، الذي عرف بكآبته وحزنه، وجوهر هذه الكتابات أن سيوران على الرغم من كتاباته عن الولادة بوصفها أبشع ما يمكن أن يحدث لأي إنسان، وعن رفضه للإنجاب لذات السبب، كما قال المعري كثيراً في شعره، إلا أنّ سيوران لم ينتحر. لم يتخلص من حياته، لم يقفز من على الهاوية التي وقف عليها طيلة حياته، عانى سيوران كثيراً من شعوره بأنّه يقف في حضارة واهية على الرغم من وجوده في أوروبا، ألا أن هذا يبدو مبرراً أليس كذلك؟ فأوربا كيف وصلت لتحقيق هذا التقدم إن لم يكن ذلك على حساب أعداد بشرية هائلة، ويؤسفني أن أقول أعدادًا لكن هذا هو الحال، ثم ابتدعوا الأعمال وجاءت لنا الرأسمالية لتخطف الإنسان من إنسانيته لتجنده في نظام لصالح رأس المال، لصالح كل ما يزيد من ربح صاحب رأس المال. لا يهم ما هي الطريقة ويجب ألا يؤذي أي شيء رأس المال هذا، حتى وإن كانت هذه الأشياء هي الجمال، الموسيقى، الفنون الأصيلة، الأديان، الحب.

سيوران لم ينتحر على الرغم من هذا كله، لقد قرر أن يتحدى العالم وأن يسخر منه.

إن تحويل هذا الواقع المأساوي إلى نكتة، هو النتيجة الوحيدة التي تساعد الكثيرين على الاستمرار في هذه الحياة. نعم سيسخر سيوران من العالم بما فيه، وسيضحك كمحاولة أخيرة لعدم استسلامنا أمام هول ما نشاهده يومياً. ولم يكن سيوران وحيداً في هذا بل إن شعوباً كثيرة قررت ألا تموت وهي تبكي، قررت أن تذهب إلى حتفها ضاحكة منتصرة في الدقائق الأخيرة من عيشها هذا. هنالك شعوب كثيرة عرفت بحس الدعابة، والنكتة الطيبة، وظهرت لنا الأعمال الأدبية التي عرفت بالكوميديا السوداء، ولعلنا في العالم العربي كبرنا على مسرحية "كأسك يا وطن" لدريد لحام، ونحن اليوم نعرف هذه الكوميديا أكثر من غيرنا.

 

amalalsaeedi11312@gmail.com

 

تعليق عبر الفيس بوك