خبراء: عجوزات مالية بميزانيات الدول المصدرة للنفط مع تراجع الأسعار.. وتوقعات باستمرار التدهور السعري في 2016

أكّدوا أنّ "أوبك" تصارع على "الحصّة السوقيّة".. والنمو في الصين وأمريكا يعزز التعافي

 

الشعيلي: الدول المصدرة للنفط فقدت 60% من إيرادتها مع تراجع أسعار الخام

الموافي: "خلافات مزدوجة" بين منتجي النفط تعصف بسعر البرميل

حمزة: الدوافع السياسيّة الأكثر تأثيرًا في تهاوي أسعار النفط

 

 

الرؤية- أحمد الجهوري

 

 

أكد خبراء ومحللون أنّ ميزانيات الدول المصدرة للنفط سوف تسجل عجوزات ماليّة مؤثرة بنهاية هذا العام والعام المقبل، وذلك مع استمرار تراجع أسعار الخام لمستويات قياسية، مشيرين إلى أنّه من المستبعد أن تشهد هذه الأسعار تعافيًا حقيقيًا أو عودة لمستويات ما قبل الأزمة في العام المقبل.

وقالوا- في برنامج "رؤية اقتصادية" على تلفزيون السلطنة- إنّ منظمة البلدان المصدرة للنفط تصارع على الحصة السوقية مع الأطراف الأخرى غير الأعضاء بالمنظمة، بهدف منعها من الاستحواذ على السوق، فيما إنّ معدلات النمو الجيدة في كل من الصين وأمريكا من شأنها أن تعزز تعافي الاقتصاد العالمي وبالتالي الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر الممكنة.

وناقشت حلقة رؤية اقتصادية مسألة أسعار النفط في أعقاب الاجتماع الأخير لمنظمة أوبك، واستضاف البرنامج- الذي يقدمه الإعلامي عبدالله الشعيلي- كلا من الكاتب والمحلل السياسي الدكتور عبدالحميد الموافي، والمحلل الاقتصادي الدكتور محمد رياض حمزة.

 

 

 

 

وقال الشعيلي في مقدمة البرنامج إنه أمام استمرار نزيف انخفاض أسعار النفط العالمية والهبوط الواضح الذي يكتنف أسواقه، قالت منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" إنّها لم تتمكن من الوصول إلى أي رقم لتخفيض الإنتاج والتقليل من وفرة المعروض في الأسواق. وأضاف أن اجتماع أوبك لم يشهد أي إشارة من قبل وزراء النفط حول سقف الإنتاج، وأوضحت أوبك أنّه لا يمكنها التكهن بحجم النفط الذي سوف تضيفه إيران إلى السوق العالمية في العام المقبل مع بدء رفع العقوبات الاقتصادية عليها والمتفق عليها مع القوى العالمية. وزاد: "يقول باحثون إنّ أسعار النفط مرت بمنعطفات تراجعية كبيرة كما شهدت في المقابل ارتفاعات قياسية خلال 50 عام الماضية". وتابع أن أوبك التي تنتج حوالي 35% من النفط العالمي رفعت سقف حصتها إلى 31.5 مليون برميل يوميًا، وتقول إنّها تسعى إلى دراسة إمكانيّة التوصل إلى جهد جماعي يسمح للمنتجين من المنظمة وخارجها في الإسهام حول استقرار الأسعار.

سلعة استراتيجية

وقال الدكتور عبدالحميد الموافي إنّ النفط يعد سلعة استراتيجية، وليست كأي سلعة أخرى، وإن كان هناك الكثير من السلع الأخرى مثل الخضار والفواكه يمكن أن تتحول إلى سلع استراتيجية إذا كانت هناك درجة من الاعتماد المتبادل بين الدول المصدرة والمنتجة، كما هو الحال بين روسيا وتركيا الآن. وأضاف أنّه فيما يتعلق بالنفط، فإنّ أسعار النفط الحاليّة والتدني المتواصل والشديد فيها، هو بمثابة نتيجة أو ضحيّة للخلافات السياسية بشكل أساسي؛ أولا بين الدول المنتجة للخام سواء داخل أوبك، وثانيًا بين الدول المنتجة من داخل أوبك في مواجهة الدول خارج المنظمة الدولية، مشيرا إلى أن أسعار النفط في الأسواق العالمية لا تتحرك فقط بما يحدث داخل أوبك ولا على حجم إسهام أوبك في السوق، بل تتأثر بمستوى العلاقة والتعاون والتعارض والتناقض بين أوبك والدول المنتجة من خارجها. وأوضح أن سوق النفط تشهد في الوقت الحالي خلافات مزدوجة، وهي خلافات داخل دول أوبك بعضها البعض، حول ما يمكن اتباعه من سياسات خلال الفترة المقبلة للحفاظ على أسعار النفط دون مزيد من التراجع، وخلافات أيضًا بين دول أوبك بوجه عام وأقطابها الأساسيين وبين دول رئيسية منتجة للنفط من خارج أوبك حول مدى التعاون، ومثال على ذلك ما حدث في اجتماع أوبك الأخير؛ حيث اعترضت روسيا (وهي دولة غير عضو بأوبك) على الاجتماع وخفّضت مستوى حضورها فيه، فمثلها نائب وزير لحضور الاجتماع، وهو ما يعكس عدم اكتراث موسكو- على الأقل في هذه المرحلة- بالتنسيق مع أوبك لخفض الإنتاج، لأن الشعار الذي رفعته كل الأطراف كان الحفاظ على حصة أوبك في السوق، حتى ولو أدى ذلك إلى انخفاضات عنيفة في سعر البرميل، وما سيسفر عن ذلك من أضرار اقتصادية ومن ثم اجتماعية على الدول المختلفة.

وقال الدكتور محمد رياض حمزة إنه منذ نوفمبر 2014 عندما اجتمعت أوبك، أثار وزير النفط السعودي علي النعيمي مسألة التعامل مع الحصص، والتي يجب الحفاظ عليها "بأي ثمن"، وكما يعلم الجميع أن المملكة العربية السعودية هي المنتج الثالث بالعالم حيث بالمقدمة روسيا والتي تنتج 10.5 مليون برميل يوميا، ومن ثم الولايات المتحدة الامريكية وتنتج 10.25 مليون برميل يوميا، ومن ثم السعودية بحصة 9.8 مليون برميل يوميًا، وهذه الدول الثلاث العملاقة في إنتاج النفط أرادت أن تحصل على ميزة في الأسواق، لذلك تطالب السعودية بالحفاظ على حصتها من الإنتاح لإدراكها بأنها إذا خفضت الإنتاج فإنّ هناك دول خارج أوبك سوف تستحوذ على هذه الحصص.

الحصص المقررة

وأوضح أنّ أيا من دول أوبك لم تلتزم يومًا بالحصص المقررة لها؛ حيث إنّ الجميع ينتج كيفما يشاء وعلى ما تمليه عليه مصالحه، مشيرا إلى أنّ السوق قبل 2014 شهد تخمة في المعروض، وكان سعر البرميل يرتفع بين دولار أو دولارين مع أي أعمال عسكرية أو عنف، لكن ما يحدث الآن من أعمال العنف والحروب في الشرق الأوسط لم تؤثر بشكل واضح على ارتفاع الأسعار التي ظلت متدنية.

وتابع أنّ فائض وتخمة المعروض يقدر بنحو 2-2.5 مليون برميل يوميًا في الأسواق، لكن لا يوجد مشتر لهذا الفائض، ويتزامن مع ذلك زيادة الإمدادات من قبل دول أوبك ومن غيرها، مشيرا إلى أنّ أسعار النفط تتأثر أسبوعيا ببيانات الصين أو بيانات معهد البترول الأمريكي التي تصدر كل يوم أربعاء أسبوعيا حول زيادة أو انخفاض مخزون الخام الأمريكي.

وأكد أنّ العامل السياسي يبقى هو اللاعب الأساسي في ارتفاع أو تراجع الأسعار، مشيرا إلى أنّ انخفاض الأسعار الذي حدث عام 1997 وعام 2002، دام لشهور قليلة، ثم بدأت الأسعار في الارتفاع بعدها، فيما إنّ الأزمة الحالية بدأت منذ منتصف 2014، ومستمرة حتى الآن، وقد تدنت الأسعار بأكثر من 60%، وعلى الرغم مما يحدث في العالم إلا أنّه لم يتغير شيء. ودعا حمزة إلى ضرورة اجتماع ذوي الشأن في تصدير النفط للوصول إلى حل يخدم ويفيد جميع الأطراف، مجددا التأكيد على أن العامل السياسي هو الأكثر تأثيرا في بقاء الاسعار متدنية.

عوامل سياسية

ووافقه الرأي الدكتور عبدالحميد الموافي حيث أكّد أنّه في سنوات سابقة، وعندما ينفجر خلاف أو تتحطم طائرة أو يقع اضطراب على حدود دولة ما، وبالتحديد في منطقة الشرق الأوسط، ترتفع أسعار النفط تلقائيا وفي بعض الأحيان إلى مستويات قياسية، واليوم ومع اندلاع العديد من الحرائق والحروب في المنطقة، إلا أن أسعار النفط تواصل التراجع. وأكد أن ما يحدث لا يمكن اعتباره على سبيل المصادفة؛ حيث تسهم العوامل السياسية بشكل بارز في تراجع أسعار النفط، مشيرا إلى أن الدول المنتجة للنفط تتكبد خسائر متواصلة مع استمرار انخفاض الأسعار، لكنها خسائر متفاوتة، إذ أنّ هناك دولا تمتلك فائضًا في الإمكانيات أو الاحتياطات النفطيّة، وتستطيع أن تعوض بعض عائداتها من خلال زيادة الإنتاج، وتستطيع أن تصمد وفقا لحجم احتياطياتها. ويرى الموافي أنّ الدول المنتجة ذات التأثير الكبير في إنتاج النفط، قادرة على تحمل الانخفاض على المدى الطويل بفضل ما تملكه كذلك من فوائض مالية، لكن الأزمة الحقيقية ستعاني منها الدول الأصغر من حيث هذه الفوائض، ومنها فنزويلا وبعض دول المنطقة. وبين أن كثيرا من الدول تعتمد على عوائد النفط بشكل كبير وبدأت هذه العوائد تنخفض وحجم قدرتها على تعويض الانخفاض في العائدات من خلال الزيادة في الإنتاج أو زيادة التصدير محدودة، خاصة إذا كانت تكلفة إنتاج النفط لديها مرتفعة.

وبين الموافي أن ثمة خلافات بشكل أساسي بين روسيا من جهة وإيران والممكلة العربية السعودية من جهة وفنزويلا وعدد من دول شمال أوروبا المنتجة للنفط والتي لا تريد ابدا التنسيق مع أوبك بشكل أو بأخر، كما أن الولايات المتحدة عادة لا تقوم بعمليات تنسيق فيما يتصل بإنتاج وصادارات النفط مع أوبك، حيث تشعر أنها خسرت مع انخفاض أسعار النفط، حيث أثر ذلك على معدلات إنتاج أمريكا من النفط الصخري، إذ أنّ انخفاض الأسعار أدّى إلى وقف عمليات استخراج النفط الصخري.

وشدد على أنّ العوامل السياسيّة تسهم بدور بارز ولا تزال حتى الآن عناصر الخلاف الأساسية بين الدول المنتجة بشكل رئيسي والمصدرة للنفط قائمة، وستظل قائمة لما بعد بداية العام المقبل، لأنّ الجميع يترقّب مع يناير المقبل بدء تطبيق الاتفاق النووي بين إيران وبين الدول الست الكبرى، وسيتم رفع العقوبات الاقتصادية وبالتالي سوف تبدأ إيران بضخ كميات من النفط تصل إلى 500 ألف برميل يوميا في الـ6 أشهر الأولى. وتابع أنّه على مدى السنوات الطويلة تأثرت صناعة النفط في إيران كثيرا، وعندما ستبدأ إيران في زيادة حجم الإنتاج من خلال دخول الشركات الكبرى إلى إيران، فإنّها سوف تستغرق بعض من الوقت حتى تتمكن الحقول من تنشيط التصدير مرة أخرى والارتفاع من الإنتاج إلى 500 ألف برميل يوميا لتصل إلى 800 ومن ثم إلى مليون وأكثر يوميا. وبين أن هناك الكثير من الدراسات تتوقع أن يبلغ سعر برميل النفط في عام 2016 ما بين 40 إلى 45 دولارا، وكانت أقصى التوقعات أن يصل إلى 60 دولار تقريبا، ولكن كل ذلك يبقى في نطاق التكهنات، وتتوقف مصداقيتها على عدة عوامل منها سياسية واقتصادية وبالتحديد السياسات المتعلقة بالدول المنتجة للنفط من داخل أوبك أو خارجها.

ارتفاع تدريجي

وأوضح الدكتور محمد رياض حمزة أنّ هناك نظرية تقول إنّ منتصف عام 2016 سيشهد تغيرًا في سياسات الدول المنتجة للنفط، حتى في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، التي تملك شركات عملاقة تتكبد خسائر الآن مع تراجع الأسعار، وبدأت في تسريح موظفيها، كما أنّ هذه الدول تفرض ضرائب تزيد على 50% من أرباح الشركات العملاقة، وهو ما يعني أنّ دخول هذه الشركات سوف تتأثر في منتصف عام 2016، ومن هنا ستأتي القرارات السياسية التي تعمل على رفع أسعار النفط تدريجيا في منتصف عام 2016.

وأشار إلى أنّ كل ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط من حروب وصراعات مستمر، كما أنّ سوق النفط لا تزال مثلما هي متراجعة، فبعيدًا عن الظروف السياسية هناك أسباب اقتصادية بحتة، منها تراجع النمو الصيني والأمريكي، وغيرها من العوامل المرتبطة بمعدلات التصنيع والبطالة، وارتفاع الدولار، وكل ذلك يؤثر دومًا على اسعار النفط، إلا أنّه يبقى العامل الأكثر تأثيرًا تخمة المعروض.

وقال الدكتور عبدالحميد الموافي إنّ الوسيلة الأولى أو المباشرة لتعويض تراجع العائدات هي زيادة الإنتاج وذلك لمواجهة عجز الميزانية للدول التي تعاني من تراجع الأسعار، لكن المشكلة لم تعد مقصورة على شهر أو شهرين أو ثلاثة، وإنما الانخفاض مستمر حتى الآن منذ 18 شهرا تقريبا بنسبة انخفاض 60% وهذا يعني أن 60% من دخل هذه الدول المنتجة تلاشت. وأضاف أنّ هذا التراجع تسبب في تكبد هذه الدول لعجوزات بدرجات متفاوتة إلى درجة أنّ دولا كبيرة منتجة للنفط ينتابها القلق، وسحبت من صناديقها السيادية والاستثمارية علاوة على السحب من احتياطياتها النقدية الهائلة. وأقر الموافي أن هناك دولا كبيرة قادرة على تحمل التبعات إلى بعض الوقت، لكن من المؤكد كل الدول النفطية بما فيها الدول الكبيرة أصبحت قلقة بشكل متزايد مع انخفاض العائدات، وبسبب اتّساع حجم العجز في موازنتها، وبالتالي بدأت تتجه إلى وسائل وبدائل لتعويض عجز العائدات من خلال فرض الضرائب. وأكد أنّ الدول الخليج المنتجة للنفط بدأت جميعها الآن تفكر في فرض ضرائب جديدة على المياه والكهرباء والقيمة المضافة، ويجب على دول مجلس التعاون أن تناقش ما يمكن أن تتخذه فيما يتوافق بينها للتصدي لهذه المشكلة، لأنّ لزيادة العجز في الموازنات بدول التعاون أصبح مسألة مؤثرة ومثيرة للقلق، واعتقد أنّ هناك اجتماعات على مستوى وزراء المالية أو البنوك المركزية أو على مستوى وزراء التخطيط خلال الفترة المقبلة للتباحث حول ذلك الأمر.

الجوانب الاقتصادية

فيما أوضح الدكتور محمد رياض حمزة أنّه بات من المؤكد في الجانب الاقتصادي لجميع الدول المنتجة للنفط أنّ ميزانياتها سوف تتأثر مع تراجع النفط، لأنّ الدخل القومي للعديد من هذه الدول يعتمد بنسبة 80 إلى 85% على عوائد النفط، وهو ما يعني تأثر جميع البرامج التنموية والخدميّة والاجتماعيّة وكافة المنافع التي تتصل بالمواطن. وأشار إلى أنّ دولة الكويت تبحث فرض ضرائب بنسبة 10% على أرباح الشركات وتفكر في تقليص الدعم على المحروقات والطاقة، كما أنّ الممكلة العربية السعودية في فبراير الماضي سحبت من احتياطها النقدي مليارا و800 مليون ريال سعودي، ثمّ أوقفت ذلك بتدابير أخرى بإصدار صكوك سيادية، كما أنّ السلطنة بصدد التعامل مع العجز، وتمكّنت من إصدار الصكوك السيادية وأذون الخزانة وغيرها من تدابير الاقتراض الداخلي، وكل هذه العوامل تؤدي إلى قدرة الدولة على التعامل مع الواقع الحالي الذي تدنى بشكل كبير لكي لا تؤثر على الخدمات العامة وعلى المشاريع الاستراتيجية المهمة من خلال تقليص بعض الإنفاقات التي ليس فيها تأثير كبير ومباشر على الحياة الاقتصادية وحياة المواطنين.

ومضى قائلا إنّ دول الخليج العربي دول مستوردة في الأساس للسلع الغذائية، مشيرا إلى أن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" تتحدث عن انخفاض في أسعار السلع الغذائية حول العالم، لكن لم يحدث أن تراجع السعر في دول الخليج، ولا توجد هناك مؤشرات للانخفاض، وهنا في السلطنة ترتفع الأسعار ثم تتوقف ثم تعاود الصعود، مع العلم بأن الأسعار يجب أن تنخفض مع انخفاض أسعار النفط.

وبيّن أنّ المشكلة تكمن في وجود سوق جملة وسوق تجزئة، والأول يقدم كافة المبررات لإبقاء الأسعار مرتفعة عندما يقول إنّه استورد من الخارج بهذه الأسعار، وبما أن سوق التجزئة والسوق الاستهلاكي ليس بيد الدولة ولا تستطيع فرض قيود عليه، فإنّ هذا الواقع سوف يستمر.

تعليق عبر الفيس بوك