سعادة أغلى من المال

مدرين المكتومية

"السعادة لا تحتاج إلى استحالات كبيرة، أشياء صغيرة قادرة على أن تهزنا في العمق" هذا ما قاله: واسيني الأعرج، فلكل منا منظوره الخاص بالسعادة، فهناك من يجد المال سعادة، وآخر يراها في العائلة، ومنّا من يجدها في الحياة والحرية، ولكن الحقيقة تكمن في دواخلنا، فمن يفتقر لكل ذلك لا يعني أنه يعيش في تعاسة مطلقة، بل على العكس قد تتحول كل تلك الأشياء إلى تعاسة في يوم من الأيام، إن لم نعزز شعورنا الداخلي بالسعادة بعيدًا عن كل شيء، ونوّعنا مصادرها، واستطعنا العيش بالمتاح الذي يحقق لنا ما يفرحنا ويجعلنا نمارس حياة قد لا يعيشها أثرى أثرياء العالم، فكما قالت أحلام مستغانمي: "المال لا يجلب السعادة، لكن يسمح لنا أن نعيش تعاستنا برفاهية" وكم من المنازل والقصور يعيش خلفها مرضى نفسيون ومتخلّفون فكريًا، وأناس يعيشون احترام الآخرين بزيف.

السعادة هي شعور كامن، دواخلنا هي المصنع الذي يصنعها ويوزّعها على حواسنا لنمارسها ونعيش بها أمام الآخرين ونتقاسمها مع غيرنا، هناك من يحلم بالسعادة وهناك من يتعثر بها، وهناك من يعيشها، وهناك من كانت يمتلكها لكنّه تركها ليهتم بشؤون أخرى اكتشف بعد نهاية المطاف أنه الخاسر الوحيد ومن هؤلاء ستيف جوبز مؤسس شركة أبل للبرمجيات الذي توفي بعد صراع طويل مع مرض السرطان وترك وراءه عند رحيله شركة بلغت قيمتها السوقية 700 مليار دولار أكرر سبعمائة مليار دولار أمريكي وهي أغلي شركة في التاريخ حيث كتب وهو على فراش المرض قبل وفاته بأيام "لقد وصلتُ لِقِمَّةِ النجاح في الأعمال التجارية، في عيون الآخرين حياتي كانت رمزاً للنجاح. ومع ذلك، وبصرف النظر عن العمل، كان لديّ القليل من الوقت للفرح، وأخيرًا في النهاية ثروتي هي مجرد حقيقة أنا معتاد عليها، فإذا كان لديك المال، يمكنك استئجار شخص لقيادة سيارتك، ولكن لا يمكنك استئجار شخص لِحَمْلِ مرضك و آلامك بدلاً عنك، فيمكن العثور على الأشياء المادية المفقودة مَهْمَا غَلِي ثمنها. ولكن هناك شيء واحد لا يمكنك أن تجده أبدًا عندما ستفقده إنّها الحياة ".

الحياة هي أعظم الأمور التي يمكن أن يعيش لأجلها الإنسان بسعادة مطلقة؛ لكي تبقى عالقة في ذاكرته كل المواقف والأحداث التي تمر عليه في ساعات يومه، فنحن لا نجد ما نتوسده إلا ذكرياتنا في الوحدة عند وصولنا لمرحلة من العمر نتوقف خلالها عن ممارسة الكثير من الأشياء التي اعتدنا عليها، لكن يبقى طيف ذكراها يسعدنا وهو يمر حاملا تعبيرا أو إحساسا ما، فليس منّا من يتذكر بعد سنوات طوال كم كان دخله من صفقة ما أو راتبه الذي انزعج من نقصه، لكننا غالبا ما نسترجع مشاعرنا بلحظة استمتاع بمشهد أو كلمة أو لحن أو مكان زرناه، والغريب أن ما ننفقه على سعادتنا يذهب بلا ندم، فعادة لا نندم على ما ننفقه لإشباع حاجاتنا النفسية مثل حب السفر أو حضور حفل موسيقي وخلافه.

وحتى يمكننا أن نحقق أحلامنا فنحن بدون شك نحتاج للإنفاق على تحقيق هذه الإحلام فالمال بالنهاية ليس شيئًا سلبيًا أو مدعاة للبغض، لكن أن يصبح المال هدفا وغاية فإنّ هذا ما يمكن أن يحولنا إلى آلات حاسبة وخزائن أموال وتعمينا هذه الحالة عما يتسرب منا وننفقه بلا مقابل وهو أغلى من الذهب والماس، إنّه شبابنا وأيامنا الجميلة التي تذهب هباء إلا من لحظات نحفظها وهي سعادة أغلى من المال.

madreen@alroya.info

تعليق عبر الفيس بوك