سلطان "وسيارة نورمجان"

ناصر الجساسي

قبل أن يترك سلطان العامري وظيفته من المراسم السلطانية، كان قد بدأ أولى خطواته نحو تحقيق أحلامه بتصنيع سيارة بدائية الصنع، فظهر في العام 1987 عبر إحدى الصحف المحلية مبتكرًا بوسائله وأدواته المتواضعة سيارة صغيرة يتنقل بها في منطقته "الجحيلة بولاية بركاء".

كبر سلطان وكبرت معه أحلامه التي لم تبارح فكره ومخيلته، والتي ضحَّى من أجلها بوظيفته المرموقة، فتركها ليبدأ تدريب نفسه كشاب ميكانيكي بإحدى ورش تصليح السيارات بالوادي الكبير بمسقط، مستمتعًا بوقته وعمله الذي يقضيه تحت هياكل السيارات المتعطلة غير مكترث لآثار ورائحة زيوت السيارات التي تلون وتلوث يديه وملابسه وبدون أجر.

تُعتبر عائلة سلطان من العائلات الثرية ماليًّا؛ حيث إنَّ والده كان يشغل مدير عام شركة شل من السبعينيات، وكان له صيت كبير في تلك الفترة، بمعنى أنَّ سلطان ليس بحاجة للعمل في وظائف مهنية دنيا.. فقط هو الطموح والإرادة، اللذان دفعا سلطان للعمل والتدريب في ورش السيارات لأكثر من 8 سنوات، علمًا بأنه كان يعمل بدون راتب شهري؛ فكان همه الوحيد طيلة هذه السنوات تعلُّم أساسيات المهنة والطرق العلمية والمهنية التي تكسبه الخبرة اللازمة لتصنيع سيارة أكبر وأفضل من سيارته البدائية، وحتى يستطيع تطوير سيارته المبتكرة كان لابد من توافر المبلغ الكافي حتى يكون محركًا للخبرة العملية فقام في العام 1999م بتكوين أول علامة تجارية بالوطن العربي تُعنى بتصنيع الساعات ذات الطابع التراثي، والتي استوحى تصاميمها من الهوية الوطنية العمانية.

... إنَّ شخصية سلطان وطبيعته عصامية، وغير اعتمادية كباقي إخوانه في تلك الفترة؛ فقد تعرض في بداية تأسيس شركته نورمجان للساعات، للكثير من المحن والأزمات والتضحيات؛ فقد كان التصميم الواحد للساعة يأخذ منه وقتًا طويلًا، إضافة إلى الكلفة المالية الباهظة لقالب التصميم في سويسرا، ناهيكم عن عبارات السخرية والاستهزاء التي كان يسمعها من الزبائن عندما يسمعون أن طموحه تكوين ماركة عربية تنطلق من سلطنة عُمان، ومع ذلك كان يستفيد من نقدهم وسخريتهم لتطوير تصاميمه وموديلاته من الساعات.

يذكُر سلطان أنَّه في بداية تأسيس شركته كان يذهب ماشيًا للشركة أو يستقل سيارة أجرة لعدم امتلاكه سيارة خاصة، مع أنه وبكل سهوله كان من الممكن أن يطلب من والده الذي كان ينتظر من سلطان أن يُفاتحه لأن يشتري له سيارة أو بناء منزل...أو غيرها من الأمور المعيشيه كباقي إخوانه، خاصة وفي يوم زواجه أهدته والدته جهاز تليفزيون، وصل به الحال حتى إنه لم يتمكن من شراء جهاز تليفزيون لنفسه؛ فقد كان كل ما يحصل عليه من مال يضعه في بناء شركته.

بفضل الله وفضل الإرادة الفولاذية التي يتحلَّى بها سلطان، أصبحت ساعات نورمجان من الساعات المفضلة في عمان، بل وحتى في الوطن العربي والعالمي، وحققت شركته نجاحات رائعة في مجال تجارة الساعات، ولا تزال الشركة في تقدُّم وازدهار، ولعل ما يصدم القاري هو أن سلطان بدأ بتكوين شركة نورمجان برأس مال لا يزيد على 600 ريال عماني فقط.

بعد نجاح سلطان في مجال الساعات، انتقل في العام 2007 إلى تحقيق حلمه الأكبر بالبدء في إعادة تصنيع وتطوير سيارته؛ فـكرَّس جُل وقته وماله لأجل مشروع تصنيع السيارات الكهربائية والذي من خلاله سيخلِّد اسمه على صفحات التاريخ بأحرف من ذهب؛ فقد عكف علي دراسة المشروع على مدار سنة وتسعة أشهر، قام خلالها بزيارة الكثير من المصانع العالميه في أمريكا وطوكيو وأوروبا وهونج كونج؛ ليتعرَّف على كيفية قيام هذه المصانع بتصنيع السيارات من مرحلة التصميم والورشة الاختبارية إلى أن تكون السيارة تحت خط الإنتاج، ثم بعد أن قام بتكوين ما سماها خارطة الطريق للمشروع، انطلق في سنة 2009 وعلى مدار أكثر من خمسة أعوام بتصنيع النموذح الأول لها، والذي كلفه مبدئيًّا أكثر من مليون وعشرين ألف ريال عماني، وقد تم تدشين النموذج الأول في نوفمبر من هذا العام؛ حيث سيبدأ الإنتاج التجاري الفعلي للسيارات في العام 2018 بطاقة إنتاجية تقدر بـ1008 سيارة في السنة، وستكون عملية التصنيع في مصنع الشركة مستقبلا في عماننا الحبيبة.

يجب أن نجعل أحلامنا تكبر معنا، وأن نغدق عليها من وقتنا وجهدنا ومالنا، فما أكثر الأحلام التي وُئِدتْ قبل أن تخرج للعالم، علينا أن نركز جيدًا على هدفنا، وأن ننهض كلما تعثرنا، وأن نقاوم سقطاتنا وإخفاقاتنا؛ فهي خبرات تضاف إلى سجل حياتنا.

وأخيرًا.. يومًا ما سيجلس خلف مقود سيارة نورمجان هيرماس رواد صناعة السيارات بالعالم، وسننظر إليهم نظرة فخر واعتزاز بفخر الصناعة العمانية، وسنقول: "شكرًا سلطان لأنك ثابرت على حلمك حتى تحول واقعا".

تعليق عبر الفيس بوك