أطلقوا العنان لتقدُّم عُمان

حَمَد العلوي

بدايةً لَيْس من أحدٍ مُغرم بانفلات الضوابط، كما هي الحال لدى بعض دول الجوار، ولا نطمح بتقليد هونج كونج في زمنها الزاهر، ولكن أنْ يكبَّل الوطن ببيروقراطية مُتعبة فذلك أمر غير مقبول، وأن يصبح الجواب الشائع لدى دوائر الخدمات هذا (ممنوع، غير مسموح، يريد استثناء من الوزير، أحضر معك شريكا، آتيني بموافقة كذا وكذا)، وبالمحصلة لن تدخل على موظف، أو مسؤول وتجد لديه الرغبة في دعمك وتشجيعك والتسهيل عليك، إلا في حالات نادرة أو بورقة صغيرة بمعونة صديق، وإذا وجدت مثل هذا الإنسان "الموظف" الذي عمل بملء ضميره، وعدت إليه بعد شهر على سبيل المثال، فإنك لن تجده في مكانه ذلك، فقد تجده وقد وضع في المكاتب الداخلية يحفظ أوراقا، وهذا يُعد بمثابة تكريم له من الطرد، وربما تخوفاً من القضاء الاداري!

تُرى كيف نحفظ كرامة العُماني بتوفير حاجياته داخل الوطن؟ وأنْ لا نتركه لقمة سائغة لجشع أولئك التجار الذين يقبعون خارج نطاق حماية الهيئة العامة لحماية المستهلك الوطنية، أم كيف نحميه من إهانة الطوابير الطويلة المبتذلة على الحدود، وأفعال التمادي في الإجراءات غير المبرَّرة؟ ولكن ما الحل طالما ظل كل شيء ممنوعا من حوله؟ وإذا أراد أن يفتح له محلاً تجاريًّا يسعى به على نفسه وأولاده، وليس لديه المال الكافي لتبديده في دفع مصاريف عام سابق، فاحكم عليه بالخسارة المطلقة من أول يوم، لأنه ببساطة الأمر، عليه أن يستأجر المحل، وأن يضع عليه لوحة (3D) مضاءة، وعندما تكتمل كل تلك الإجراءات، عليه أن ينتظر أشهر، وذلك حتى تنتهي كل أنواع التفتيشات والزيارات، وحتماً لن يحصل على الموافقة من أول زيارة، وسيُعطى مُهلة أخرى. ولنفترض أنه استطاع أن يتجاوز كل هذه العقد بعد شهرين أو ثلاثة أشهر لاحقة، فمن ثمَّ عليه أن يبدأ في دوامة أخرى، وهي البحث عن الأيدي العاملة المناسبة، وقد تستغرق هذه المرحلة بين ثلاثة وستة أشهر، وبطبيعة الحال الإيجار يُدفع مقدماً أو شهريًّا إذا كان المؤجر متعاوناً مع المستأجر.

أما إذا أحدهم طلب من المسؤول أن يُخفِّف من هذه الاجراءات على المواطن، فإنه سيأتيه الجواب القاصم للظهر، وسيكسحه بمحاضرة طويلة يريد لو يعفيه من سماعها، لأنها مكررة ومملة وغير منطقية، وسيشكِّك في إخلاصه ووطنيته، وسيقول له ألا تعلم أننا وجدنا مواطناً من المواطنين لديه خمسة آلاف سجل تجاري ومواطن آخر لديه خمسة آلاف عامل وافد، فسيخيَّل للسامع أنَّ هناك مواطنين يعملون في "مافيا" خاصة بالتزوير، وهي من تزوِّر السجلات وأذونات العمل، وليس كل ذلك صدر رسميًّا، وقد دُفعت فيه الرسوم الفلانية كاملة من غير الغرامات بالطبع، ثم أليس الله خالق الموظف والمواطن معاً هو القائل في محكم كتابه العزيز: "ولا تزر وازرة وزر أخرى"؛ إذن ما للإنسان بغيره من الناس حتى يعاقب عقوبة جماعية معهم.

تُرى لماذا لا نُحسن الظَّن في المواطن، ونطلب إليه أن يشارك في تحمل المسؤولية؛ فعلى سبيل المثال: أن يحدد له مجموعة من العمال لكل نشاط على حده، ويقرر المواطن الوقت الذي يطلب فيه العمال؛ وذلك حسب الحاجة والجاهزية لبدء العمل، وعندما يريد عدداً إضافيًّا ينظر وقتذاك في طلبه، وترسل لجنة أو فريق تفتيش لتحديد الزيادة المطلوب، وبهذه الطريقة يسهُل على المواطن إدارة أعماله، وكذلك يخفف من زحمة المراجعين على الجهات الرسمية.

وبذلك لن يخسر المواطن كثيراً في الإيجارات قبل بدء النشاط، وانتظار المفتشين المشغولين جدًّا دوماً والعلم عند الله، ثم إنه هل يعقل أن يوقف نشاط المقاولات الفردية؟ ويطلق العنان فقط للشركات الكبيرة، وهل يعقل اتخاذ مثل هذا القرار الآن؟ والبلاد تشهد طفرة عمرانية كبيرة في كل مكان، لقد أخبرني أحد الناس بأنَّ الوادي جرف جدارَ ضاحيته، والآن له أربعة أشهر وهو يبحث عن مقاول يعيد الجدار إلى ما كان عليه؛ وذلك قبل أن يدفع الوادي مرة أخري، ويجرف نصف الضاحية، والكل يعتذر له بأنه مشغول، وقد يُبالغ في طلب المبلغ عندما لا يكون مشغولا، والسبب الجهة المانعة، وأكيد سيكون رد الجهات المعنية بالقول: ولماذا هو اختار الضاحية المطلة على الوادي؟! طبعاً سؤال وجيه.. ومقدَّر منهم، ولكن هذا أمر قد وقع وصار.

... إنَّ من نوادر أصحاب السلطة في الوظيفة، أنه إذا أحد الناس قال لهم: لماذا لا تتبنون مجموعة من الجمعيات التجارية والصناعية والحرفية على مختلف أنواعها، كالنجارة والحدادة، والصياغة والسباكة، والنسيج، والميكانيكا والكهرباء...وغيرها الكثير لدعم تشغيل الشباب وللأخذ بأيديهم، سيُقال -بل قيل بالفعل- إنَّ هذا من منطق ومبادئ الانظمة الشمولية والاشتراكية.. إذن، بماذا تسمون تدخلكم في تحديد بعض الأنشطة ووقفها، أليس في ذلك تدخل يحمي فقط الشركات الكبيرة التي لا تعط من فتاتها للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة شيئا.

وبالعودة إلى موضوع التسهيلات، فلماذا لا تفعَّل المحطة الواحدة التي ولدت وظلت تنمو في دهاليز وزارة التجارة والصناعة، فلم ترها الشمس حتى تكبر وتترعرع، وتنتشر في طول البلاد وعرضها، فلو كبرت ستكفي الناس من ماراثون المراجعات، خاصة وإن الشوارع لا تستحمل زحمة زائدة على وضعها الحالي، وعندئذ سنقول: إنَّ هناك فعلاً سعيا للتبسيط والتسهيل في الإجراءات، مع احتفاظي بالشك على أنهم تعودوا على الزحمة، وأنهم يستمتعون بمقولة "روح وتعال بعد أسبوع"؛ لأنَّ في إعطاء التعليمات شعور بقيمة السلطة والمسؤولية!

safeway-78@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك