هل العرب أمة؟

فؤاد أبو حجلة

دعونا نتحرر قليلا من الكليشهات الصماء التي حكمت قناعاتنا في سنوات الرماد السابقة للحريق العربي، ولننفض عن قلوبنا قبل عقولنا غبار الوهم الذي يؤسس للخيبة والانكسار في لحظة الكشف الصادم.. ودعونا نعترف أننا لسنا أمة واحدة.

ربما كنا أمّة في سالف الزمان، لكن واقعنا الصعب يؤكد أننا نفتقر إلى الكثير من عناصر تكوين الأمة ناهيك عن مكانتها بين الأمم وتأثيرها الحضاري ومناعتها في مواجهة الاستهدافات، ففي تعريف الأمة أنّها مجموعة من البشر تشترك في العرق والتاريخ واللغة والعادات والثقافة والدين والجغرافيا، وهناك تعريفات تضيف إلى هذه العناصر الأهداف السياسية المشتركة والواقع الاقتصادي المشترك.

باستثناء العرق والجغرافيا، وهما مسألتان قدريتان وليستا خيارًا، تبدو كل العناصر الأخرى غائبة، فلا تاريخا واحدا للعرب، بل تواريخ مختلفة ومتناقضة أحيانًا، ما يجعل تصديق الرواية التاريخية أمرًا صعبا على العقل القادر على التمييز بين الحقيقة والكذب، ومن أراد التحقق من هذا الأمر عليه أن يقرأ مثلا الروايات المتناقضة لوقائع ودوافع معركة الجمل، وتاريخ الدولتين الأموية والعباسيّة وما تزامن معهما وأعقبهما من حركات ظهرت وحكمت وسادت ثم بادت. لكل دولة ولكل طائفة قراءتها، ولكل سرد هواه وانحيازه في رواية الحدث التاريخي الواحد الذي يبدو لنا وكأنّه أحداث مختلفة عن بعضها.

أمّا عنصر اللغة فإنّه فقد معناه وقيمته حين تمّ مسخ اللغة الأم إلى لهجات يعممها الإعلام السطحي، وحين تمّ التعامل بخفة غير مبررة مع هذه اللغة في المدارس والجامعات حتى وصلنا إلى مرحلة يصعب فيها تصديق وجود مناهج للغة العربية في المدارس وكليات لهذه اللغة في الجامعات يتخرج منها هذا الكم من الجاهلين باللغة.

في ما يتعلق بالعادات والتقاليد يبرز الاختلاف بشكل أكبر، وما هو مقبول في بلد قد يكون مرفوضا في بلد آخر سواء في مجال العلاقات الاجتماعية أو حتى في اللباس الوطني والأطباق الشعبية. وكذلك الأمر بالنسبة للثقافة التي لها وزارات تختص في إعاقة الفعل الثقافي وتقييد المنتج الإبداعي بالرقابات السخيفة، كما أنّ الهويات الثقافية للمجتمعات العربية لا تمتلك القدر الكافي من التواؤم والتناغم والسياق الواحد لتكوين هوية ثقافة قومية جامعة.

وإذا كان الدين ما زال يحتفظ بتأثيره في حياة الفرد والمجتمع، فإنّ الاختلاف في قراءة وتفسير النص قسم أبناء الأمة إلى طوائف وجماعات متصارعة تسوي اختلافها بحد السيف، ويزعم كل منها احتكار الإسلام ضمن رؤيته المنحازة، وليس سرا أن نصف المسلمين العرب يكفرون نصفهم المسلم أيضًا، وليست مؤتمرات الحوار بين المذاهب إلا ذرًا للرماد في العيون.

في البحث عن عناصر وجود الأمة أيضًا نعجز عن العثور على الأهداف السياسية والاقتصادية المشتركة التي تقوم على افتراض وجودها مؤسسة النظام الرسمي العربي المسماة جامعة الدول العربية، ولا نعرف إن كان اقتتال العرب في سوريا وفي العراق وفي اليمن وفي ليبيا يعبر عن هذه الأهداف السياسية المشتركة المزعومة في بيانات الجامعة والقمم العربية. كما أن الأهداف الاقتصادية المشتركة تبدو نكتة مثيرة للبكاء في أوطان لا اقتصاد فيها، لأن العرب لا ينتجون شيئا.

لا أكتب في الموضوع بدافع الرفض والعداء لوحدة الأمة، لأن الوحدة هدف نبيل وجليل وجميل، لكن الواقع يدحضه والعوائق تحول دون تحقيقه، ويظل حلما صعب المنال في أوطان ترفع شعار "الدولة أولا" وترسخ في مجتمعاتها أحاسيس التفرد والتميز والاختلاف، لتتقدم الهوية القُطرية أو الجهوية أو الطائفية على الهوية القومية في عقل الفرد وفي عاطفته أيضا. وهي أمنية مستحيلة التحقيق في ظل التبعية العربية المطلقة للأجنبي، وخوض الحروب بالإنابة، وتمويل المشاريع التخريبية في المنطقة خدمة لبرامج الدول الكبرى وأجنداتها.

ربما، في ظل هذا الواقع، ينبغي التواضع والاعتراف بأننا لسنا أمة واحدة، لأننا عاجزون عن مواجهة استحقاقات الانتماء القومي، ومنسجمون تماما مع كل مشاريع تقسيم المقسم.

تعليق عبر الفيس بوك