مختصون: قلة الوازع الديني وغياب التوجيه الأسري وضعف العقوبات الرادعة.. ثالوث انتشار "المعاكسات"

◄ المقرشي: التحلي بالحياء والتزام الأخلاق الحميدة سبيلان للقضاء على المعاكسات

◄ خليل: غياب التوجيه الأسري وتأخر سن الزواج من مسببات التحرش

◄ الغافري: الإفلاس الفكري وغياب العقل الواعي من دوافع انحدار الشباب إلى المعاكسات

◄ المعمري: دوافع التحرش تتغيَّر من عصر لآخر.. والوقت الحالي يشهد ذروة غير مسبوقة

أكَّد مُختصون وشباب أنَّ انتشار ظاهرة المعاكسات والتحرُّش ناجمٌ عن أسباب اجتماعية ونفسية عدَّة، فضلا عن الدوافع الاخلاقية؛ إذ إنَّ غيابَ الوازع الديني وعدم التزام الشباب بالأخلاق الحميدة وتقليد الغرب بصورة عمياء في كلِّ ما هو سلبي، كلها عوامل مُسبِّبة لتفشي مثل هذه الظواهر الخطيرة على المجتمع.

وقالوا إنَّ عَدَم توعية الأسرة لأبنائها وضَعْف التربية الصالحة، تدفع كذلك بالبعض إلى معاكسة الفتيات في الأماكن العامة، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، فضلا عن غياب الرقابة الأسرية وإنزال العقاب الرادع على كلِّ مَنْ تسوِّل له نفسه ارتكاب مثل هذه الأعمال.

الرُّؤية - مُحمَّد قنات

وقال الدكتور نبهان بن سهيل المقرشي -محامٍ- إنَّ ظاهرة المعاكسات تتسبَّب في نتائج سلبية على الأعراض والأسرة والمجتمعات، وينتج عنها أضرار جمَّة، وقد تقود إلى المحاكم وتطبيق العقوبات الجنائية.. مشيرا إلى أنَّ مثل هذه الأشياء تدفع بالمرأة العاقلة إلى أن تنهج سبل الوقاية من هذا الداء من خلال تقوى الله. وأضاف بأنَّ تقوى الله -جل وعلا- مفتاح لكل خير، ووقاية من كل شر، والتقوى تولِّد في النفس الحياء من الله ومراقبته؛ فإذا لبست المسلمة ثَوْب الحياء، فهي على خير عظيم؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياء خير كله"، والحياء هو أساس الحشمة والعفة، كما أنَّه ينبغي على المرأة والرجل أن ينتهجوا الاستعفاف، فإنه خير معين على كبح الشهوة وجموحها، وخير مفتاح لباب الفرج. وتابع المقرشي بأن الرفقة السيئة من أهم أسباب الوقوع في المعاصي عموما، والمعاكسات بشكل خاص، علاوة على أنَّ مرافقة الطيبين تعين على كل خير، وتدل على ما فيه صلاح الدين والدنيا، وتبذل النصح والمعروف، وتنكر القبيح والمكروه. ونصح المقرشي الفتيات والشباب بالابتعاد عن أسباب الإثارة؛ كإطلاق النظر على المحارم، ومشاهدة الأفلام الماجنة، والمجلات الساقطة، إذ إنَّ كل هذه الأمور تتسبَّب في إثارة الشهوات المحرمة، وتُثير الغرائز، وتشجِّع على الانحلال، وكل ما سبق ربما يقود المرء إلى الوقوع في شَرَك المعاكسات.

وقال الدكتور خالد خليل إنَّ المعاكسات أحد وجوه التحرش، وهي ظاهرة سلوكية منحرفة، تتمثل في تحرش الشباب بالفتيات أو العكس بأساليب شتى؛ سواء كان التحرش في الأسواق أو المتنزهات أو غيرها من الأماكن العامة، أو كان عبر أجهزة الاتصال الحديثة؛ كالهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، بقصد إقامة علاقات محرمة. وأضاف خليل بأنَّ مثل هذه الظواهر الاجتماعية، يصعُب حصرها في سبب واحد أو عامل بعينه؛ إذ إنَّ ضعف الصلة بالله جلَّ وعلا من أبرز هذه العوامل، لكن هناك مجموعة من العوامل المتفاعلة مع بعضها تسهم مع العامل الرئيس، والتي تشكل في النهاية مشكلة شخصية وأسرية ومن ثم مجتمعية، تتمثل في معاكسة الشباب للفتيات.. مشيرا إلى أنَّ من هذه الأسباب نقص وضمور جذوة الإيمان، مع قلة الخوف من الله في قلب فاعل هذه الفعلة، وعدم استشعار مراقبة الله؛ وبالتالي تقل مراقبته لمن يعلم خفقان قلبه وحبائل تفكيره، فيُطلق لنفسه العنان ليفعل ما يريد، متناسياً العواقب التي تنتظره. وتابع بأنَّه وعلى سبيل المثال فإنَّ المعاكسات الهاتفية تنشأ عن اتباع الهوى وضعف الإيمان، وإلا كيف يَرْضَى الشاب بانتهاك ما حرم الله، وبالتعرض لمحارم المسلمين، كما أنَّ هناك الكثيرين يجهلون حكم المعاكسات، وهذا نادر فقد يخفى على البعض حكم المعاكسات الهاتفية في الشرع، ويظن أن مثل هذا العبث ما لم يصل للزنا أنه لا بأس به وأنه جائز. وبيَّن خليل أنَّ كلَّ هذه المظاهر السالبة ترجع إلى نقص الإدراك والتمييز والتبصر بالعواقب، والانسياق وراء الرغبة المحرمة، وضعف الروابط الأسرية، نتيجة لقلة التواصل بين أفراد الأسرة وغياب المودة، وإطلاق العنان للنفس والبصر للمشاهد المؤثرة الحية، عبر القنوات أو مواقع الإنترنت، أو التمتع الزائف بالصور المنشورة في المجلات الهابطة، أو ما تلتقطه عيناه في الشارع والمتجر، فتختزن هذه المشاهد في عقله وفؤاده، فتشتعل النار في قلبه، فيوسِّوس له شيطانه بأن يُطفئ لهيب هذه النار، في غير ما أباحه الله له من الزوجة، من خلال ما يجده من لذة قذرة، عبر مُكالمة أو مشاهدة لفيلم أو لصورة أو لفتاة في الشارع. وأوضح أنَّ قرناء السوء من أكثر الدوافع الحاضة على المعاكسات، فكم من بريء سقط في هذا المستنقع، من خلال التبادل القذر لهذه الأمور وأساليبها بين أصدقائه، ومن خلال التفاخر بنصيب الأسد من معرفة أكبر عدد من الفتيات.

ومضى قائلا إنَّ من الأسباب أيضاً تلك المساحة الهائلة التي يقطعها الشباب والفتيات عبر المنتديات من خلال المحادثة عبر الإنترنت أو من خلال غرف المحادثة، دون رقيب أو حسيب، مع إغلاق الأبواب الداخلية؛ والتي تتسبب في تفشي مثل هذه الظواهر السالبة، إلى جانب تأخر سن الزواج لأسباب اجتماعية وغلاء المهور والبطالة وزيادة أوقات الفراغ وسوء التربية والتوجيه؛ إذ إنَّ غياب التوجيه والتربية السليمة يلقي بالشباب والفتيات في هذا المستنقع الآسن.

وأشار إلى أنَّ هناك عوامل عديدة تقود إلى انتشار هذه الظواهر التي يرفضها عقلاء المجتمع؛ من بينها: التبرُّج السافر للفتيات في الملبس والحركة؛ إذ يُعدُّ دعوة مبطنة ليجد الشباب ضالتهم؛ سواء أدركت الفتاة هذه الحقيقة أم لم تدرك، كما أن الفراغ العاطفي الذي تعيشه بعض الفتيات، وتطور وسائل التقنية الحديثة، يدفعها لمعاكسة الشباب، سواء كانوا أزواجا أو غيرهم، مما يُوفِّر الفرصة لبعض الذكور للانسياق وراءهن.

الإفلاس الثقافي

وذَهَب مُحمَّد بن عبدالله الغافري إلى أنَّ الفراغ والإفلاس الثقافي وضعف الوازع الديني ووجود القنوات الفضائية التي تُثير الغرائز وتشعل جذوة الشهوة في نفوس الشباب، من أهم الأسباب التي تؤدي إلى ظهور صور غير أخلاقية في المجتمعات. وقال إنَّ تأثيرَ بعض الوسائل التي لا تراعي العادات والتقاليد كبير جدًّا في سلوكيات بعض الفتيات والشباب، وينعكسُ ذلك على صور ملابس غير محتشمة وأشكال وألوان من الملابس الضيقة، إضافة إلى مُحاكاة وتقليد تقليعات مستوردة بعيدة كل البعد عن قيمنا الأخلاقية القائمة. وعزا الغافري انتشار هذه الظواهر إلى ضَعْف الرقابة الأسرية الذى يُؤدِّي إلى شعور كل من الفتى والفتاة بالتحرر القائم على دغدغة العواطف التي تلعب بعقول الشباب؛ مما يجعلهم ينساقون وراء كل صرعة تضمر في باطنها الحب والغرام غير المشروع، وهو نتيجة أيضا لما تبثه بعض الأعمال الفنية في السينما والتليفزيون من تحريض واضح على ذلك. ودعا الغافري القائمين على أمر الشباب والتربويين إلى إيجاد بيئة قادرة على توظيف أوقات فراغ الشباب حتى يُوجِّهوا طاقاتهم نحو ما ينفعهم في حياتهم العلمية والعملية؛ من خلال ممارسة الأعمال المفيدة وتغذية عقولهم بالعلوم النافعة، كما يجب على أولياء الأمور أن يُبعدوا أبناءهم عن كلِّ ما له صلة بهذا الجوانب السلبية، خاصة وأنَّ غرائز الشباب في الأصل تعيش حالة من الفوران في مرحلة المراهقة وما يليها؛ وبالتالي يؤدي إشعال أي فتيل في نفس الشاب إلى ما لا تُحمد عقباه، فلابد من تقوية الوازع الديني والمراقبة الذاتية.. وأوضح أنَّ الحق تبارك وتعالى يقول في كتابه الكريم: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم"، كما أنَّ المصطفى -عليه الصلاة والسلام- يقول: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".

الفراغ العاطفي

فيما قال خالد بن سعيد المعمري: إنَّ من أسباب إقدام الشباب على ارتكاب هذا السلوك المشين، الفراغ العاطفي؛ حيث إنَّ كثيرًا من الشباب يعاني في فترة المراهقة والشباب من فراغ عاطفي بحكم الطبيعة الفسيولوجية والنفسية له في تلك المرحلة، وهذا الفراغ ما لم يقابله توعية أخلاقية وقيمية، فإنه سينحرف بالشباب إلى ما لا يحمد عقباه. وأضاف بأنَّ الأب والأم لهما الدور الأكبر في ملء هذا الفراغ العاطفي، علاوة على أن البيئة المجتمعية الخالية من المناشط والفعاليات والأندية الرياضية والثقافية...وغيرها من منشآت شبابية، تساعد وتساهم في انتشار هذا السلوك واتساع رقعة ممارسيه. وتابع بأنَّ تكنولوجيا التواصل الحديثة ساهمت بشكل واضح في تفشي هذا السلوك، بل إنَّ بعضَ الوسائل صوَّرتْ هذا السلوك بأنه سلوك جيد ومميز في نظر الشباب، من خلال إبرازهم في صورة حسنة ومقبولة، لاسيما الأعمال السينمائية والتليفزيونية، التي قد تظهر ذلك باعتباره إحدى سمات العصر الحديث.

وأضاف: هذا السلوك غير مرتبط بأي مجتمع من المجتمعات، وليس صفة يُمكن وصف فئة بها، بل إنه سلوك بشري غير سوي يقوم به بعض الأفراد في مختلف المجتمعات، نتيجة لأسباب عدة، ولظروف مختلفة، كما أنَّ هذا الأمر ليس دخيلا على المجتمعات العربية، بل موجودة منذ القدم، لكن تغيرت أساليبه وممارسته، وزادت درجة حدته عن الماضي، وقد ساهم في ذلك التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية. وبيَّن أنَّ مثل هذه الظروف هيَّأت المناخ لمزيد من التفشي لهذه الظاهرة القديمة المتجددة. وأوضح أنَّ الماضي شهد حالات من المعاكسات والتحرش، لكنه لم يكن بتلك الحدة والفداحة والجرأة على الفعل، نظرا لتغير الظروف والمعطيات الاجتماعية.

تعليق عبر الفيس بوك