الماء والخضرة والدَّخل الحسن!

أنيس قمر سلطان

المشهد الأول

فندق في اليابان غيور على نظافة حوض السباحة؛ فالسبيل الوحيد للدخول إلى الحوض هو عبر مغطس صغير يكاد يطفو المرء فيه من كثافة المعقم، لكنه يَضْمن طهارة مُستخدمي الحوض. ومن المضحك أنَّني عند سرد هذه التجربة لأحد زملائي رد عليَّ بمثل أدهى، ومن اليابان أيضا. فقد قال إنَّ أحد مستخدمي حوض سباحة في مكان عام قد طُرد بصحبة الشرطة، فقد أثار تسريب من عنده غضب أجهزة الاستشعار بالحوض، والتي وصمت على جسده نقاط ملونة لتبيّن للجميع أنه الفاعل.

المشهد الثاني

مجموعة من الشباب تقتلع أعضاء حيوية من أشجار الجبل الأخضر...للشوي. وعند محادثتهم عن هذا التصرف وعن الضرر الدائم، دافع البعض بلا رحمة ولا هوادة عن حقهم في الشواء.. أشجار للجيل القادم؟ حماية بيئة؟ عند "الكباب" تعمى الألباب!

المشهد الثالث

شباب في عمر الربيع بشواطئ القرم المسالمة يرتدون زيًّا فضفاضاً بألوان زاهية يعملون في شركة أقاموها لخدمة الشاطئ. فقد منحتهم البلدية حقَّ خدمة الشاطئ مقابل رسوم معقولة. ولكي تتم ممارساتهم بنجاح قامت البلدية مشكورة ببعض التغييرات منها حظر الشوي على الحشائش التي ترويها ليل نهار وتقوم على عنايتها كل فصل. ومنحت للشركة حق استخدام مساحات معينة على طول الشاطئ تتلقى فيها الطلبات وتشوي ما جلبه الزوار. وعند كل محطة شوي تذكير برقم تقييم الخدمة - أرسل (رقم 5) وستحصل الشركة على تمديد لميزاتها. أرسل (رقم 1) وستتلقى الشركة إنذاراً لتحسين خدماتها، وإلا… وهناك شباب غيرهم يقومون بتأجير مقاعد وآخرون يبيعون المثلجات. كما تمَّ إزالة المقاهي المجرَّدة من الجمال والمصمَّمة كمخازن للأثاث من على الشاطئ، وطرحت مزايدة لحق الانتفاع بتلك المواقع وبشروط نظافة عالية وتصميم جذاب. كمبادرة غير مسبوقة أيضاً سيكون هناك استفتاء عام حول منع "الشيشة" في المناطق العامة.

المشهد الثالث

هذا المشهد ليس بصعب المنال، فإمكاننا تفعيل بعض التغييرات في بيئتنا المباشرة دون الانتظار إلى سياسات في السياحة وفي البيئة. وعلى نفس الشاكلة يمكن لشباب الجبل أن يقدم على وظيفة دليل أو مرشد سياحي وحتى وظيفة مراقب البيئة لكي يمنع حتى جمع الأغصان الميتة والساقطة فلا يُحرم الزائر في المستقبل من مشاهدة الأرض على طبيعتها. ويمكن أيضاً أن نلزم أطفال المدارس دورياً بزيارة الشواطئ والأماكن السياحية لتنظيفها وغرس روح النظافة في نفوسهم-عمليا لا نظرياً. والأفضل أخذهم إلى تلك المواقع في بداية العصر لأنهم لو شهدوا هول ما يخلفه المجتمع مع نهاية اليوم لمُسِحت كلمة النظافة من ذاكرتهم. وتنقلَّب الآية للزوار في العصر فيكون الصغير هو المثل الأعلى الذي يقتدي به الكبير. تبقى الشواطئ نظيفة اليوم بفضل عمال النظافة وهم يتنقلون بأكياسهم وعصيهم اللاقطة للنفايات عند الغسق، أما روَّاد الشاطئ فقد اعتادوا على ترك قمامتهم لمن ينظفها بعدهم، والكل يُفكِّر "مو مشكلتي ولا شغلي"! وقد نُلهِم دورية نشطة لزيارة بعض من تلك المواقع وهي في أوج نشاطها. فلو زارت سيارة واحدة شاطئ السوادي في مساء الجمعة لتوقف استعراض السيارات وجنون القيادة من على شاطئ واستطاع الأطفال لعب الكرة وبناء الأبراج الترابية من غير تعرضهم للدهس.. إنه شاطئ وليس حلبة سباق!

من شأن المشهد الثالث أن يحافظ على الثروة الطبيعية، وأن يخلق فرصَ عمل لمئات من الشباب في كل موقع. هذا بالإضافة إلى استمتاع مباشر للسكان المواطن قبل الزائر، فنحن أول من يتمتع بجمال البلد، ولا يجب أن ننتظر تغييرات لصالح السياحة حتى نعدل ما بأنفسنا.

تعليق عبر الفيس بوك