التكفير والإرهاب يعزِّزان موقع اليمين المتطرف في الغرب

د. يحيى أبوزكريا

شَهِد المشهدُ السياسي الأوروبي صعودًا سريعًا للكثير من القوى السياسية اليمينية المتطرفة، والتي تمكَّنتْ من دخول البرلمانات الأوروبية، وبدأت تُملي وبصوت مرتفع أجدنتها السياسية التي لا تخلو من التمييز العنصري الفاضح ضد المهاجرين عموما والعرب والمسلمين خصوصا، وقد نجح اليمين الأوروبي المتطرف في إحداث اختراق حتى في البلدان التي تدَّعي الأنسنة والديمقراطية كالسويد والنرويج والدانمارك التي نجحت فيها أحزاب اليمين المتطرف من الوصول إلى البرلمان؛ فالحزب السويدي الديمقراطي الذي حقَّق انتصارات واسعة في الانتخابات البلدية الأخيرة بات يُطالب بإغلاق المساجد والمدارس الإسلامية، بل وطرد المسلمين الذين لا يندمجون في الواقع السويدي، والاندماج عند أحزاب اليمين المتطرف هو الارتداد عن الإسلام والتخلي عن مسلكيته والانخراط جُملة وتفصيلا في الثقافة الاجتماعية السويدية التي تُجيز للمرأة أن تعاشر رجلا غريبا بحضور زوجها.

والملاحظة الأبرز لدى تشريح هذه التيارات اليمينية المتطرفة أنَّها أجمعتْ على كراهية الإسلام، وتحميله مسؤولية الانكسارات الخطيرة في الداخل الأوروبي وخارجه.

والحزب الديمقراطي السويدي -الذي وبعد أن بدأت ترتفع أسهمه السياسية نتيجة تداعيات الحادي عشر من سبتمبر، وسلسلة التفجيرات الأصولية في العواصم الغربية، ونتيجة تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب وكراهية المهاجرين في كل أوروبا- بات يطالب بطرد المهاجرين من السويد، ومنع أبناء المهاجرين بالقوة من التوجه إلى المدارس القرآنية داخل السويد أو خارجها، بل إنَّ زعيمه جيمي أوكيسون -الذي يآمل أن يتحول حزبه إلى رقم صعب في المعادلة السياسية السويدية، خصوصا بعد أن فاز حزبه في 130 بلدية سويدية، وصعد أتباعه إلى دوائر القرار في البلديات التي تملك سلطة لا مركزية تخولها اتخاذ القرار، خصوصا لجهة التعاطي مع سكان البلديات والذين منهم الكثير من العرب والمسلمين.

وبعد أن كان الحزب الديمقراطي السويدي يُخفي الكثير من مُفردات خطابه السياسي المعادي للعرب والمسلمين، أصبح اليوم يُجاهر بهذا الخطاب العنصري في الساحات العامة وفي وسائل الإعلام وفي موقعه على الإنترنت.

وعلى شاكلة الحزب الديمقراطي السويدي يتحرَّك حزب الشعب الدانماركي الذي تأسَّس في سنة 1995 وتقوده بيا كيارسجرد، والذي تمكَّن -وبسبب خطابه العنصري- من أن يُصبح القوة الثالثة في المشهد السياسي الدانماركي؛ ففي انتخابات 2005 حصد 13 بالمائة من المقاعد البرلمانية، ولا يختلف هذا الحزب عن الحزب الديمقراطي السويدي في تبنِّي سياسة عدائية ضد العرب والمسلمين في الدانمارك وهو يساوم المسلمين على ضرورة ترك دينهم كسبيل أوحد للبقاء في الجنّة الدانماركية.

وشعار حزب الشعب الدانماركي أنَّ الدانمارك للدانماركيين، وأن الدانمارك لا يمكن أن تكون دولة مهاجرين في إشارة إلى تنامي عدد اللاجئين فيها.

وفي النرويج، ينهجُ حزب فريمسكريت بارتيت نفس نهج الأحزاب العنصرية السابقة -وهو الأقدم من حيث التأسيس؛ حيث تأسس في العام 1973، وحصد 21 بالمائة من أصوات الناخبين في الانتخابات الأخيرة في الدانمارك- ويَعتبر هذا الحزب أنَّ الهوية النرويجية مهددة، وأنْ لا سبيل للحفاظ عليها إلا بذوبان المهاجرين فيها وله موقف عدائي من ثقافة الشرق الوافدة والمهددة والخطيرة.

وفي هولندا، صعَّدت ما يُعرف بقائمة بيم فورتين لهجتها ضد الإسلام، خصوصا الذي اعتبره هذا التيار اليميني -الذي تأسَّس في سنة 2002- أبرز مهُدِّد للكيان الهولندي، وكان زعيم هذا التيار مات هربن من أشد أعداء الحضارة الإسلامية بكل تفاصيها.

و في بلجيكا، فإنَّ الأحزاب اليمينية المتطرفة لا يُحصى عدها، لكن أبرزها حزب فامس بيلنغ (VB) الذي تأسَّس في العام 2004 ويترأسّه فرانك فانهيكي، وحصد 11 بالمائة من أصوات الناخبين في الانتخابات الأخيرة في بلجيكا، وعلى الرغم من أنَّ المحكمة البلجيكية العليا صنفت الحزب في خانة الأحزاب العنصرية المعادية للمهاجرين، إلا أنه لا يزال يُواصل نشاطه السياسي بعنوان جديد.

أمَّا الجبهة الوطنية البلجيكية اليمينية -التي تأسَّست في العام 1985، ويترأسها دانييل فيرار- فهي تدعو باستمرار إلى التحريض ضد المهاجرين والمسلمين منهم على وجه الخصوص وتحملهم كل المآسي التي حلَّت ببلجيكا.

وفي بريطانيا، فلا يزال الحزب الوطني البريطاني (BNP) -والذي تأسَّس سنة 1980، وتزعمه نيك غريفن- يُطالب صراحة بطرد المهاجرين، ووضع حد لظاهرة الهجرة في بريطانيا.

وحتى سويسرا الحيادية لم تسلم من تنامي ظاهرة الأحزاب العنصرية -مُمثَّلة في حزب الشعب السويسري، الذي تأسَّس سنة 1971، ويتزعمه كريستوف بلوشر- والذي بات يتحامل بقوة على الوجود العربي والإسلامي، مُنسجما مع طروحات اليمين المتطرف الذي بات لها سوق كبير في أوروبا.

وقريبٌ من هذا الحزب حزب الجبهة الوطنية الفرنسي، الذي يتزعَّمه جون ماري لوبان، والذي آلت زعامته لابنته، والذي تأسس في العام 1972، والذي بنى سياسته على كراهية العرب والمسلمين، والذين ساهموا بقسط وافر ليس في بناء النهضة الفرنسية المعاصرة، بل في مقاومة الاحتلال الألماني باعتراف الجنرال الفرنسي شارل ديجول، الذي استعان بالجنود المغاربة في إنزال لابروفونس، وتمكن بفضلهم من إلحاق الهزيمة بالجيش الألماني، وفي السياق نفسه يتحرك حزب من أجل فرنسا (Mpf) -الذي تأسسّ في العام 1994، وترأسّه فيليب دوفلييه.

وتزخر إيطاليا بعشرات الأحزاب اليمينية المتطرفة؛ وعلى رأسها: التحالف الوطني الإيطالي الذي تأسَّس في العام 1995، ويتزعمه جيان فرانسكو فيني، والذي حصد 12 بالمائة من أصوات الناخبين في إنتخابات 2006، ويفتخر هذا الحزب بأبيه الروحي بينيتو موسيليني.

أمَّا حزب ليجا نورد -الذي تأسَّس في العام 1994، ويترأسه أومبرتو بوسي، والذي حصد 4 بالمائة من أصوات الناخبين في انتخابات 2006- فيتبنى سياسة عدائية من المهاجرين، بل طالب رئيسه في حوار صحفي بإطلاق النار على المقيمين بطريقة غير شرعية في إيطاليا.

وليس بعيدًا عن هذا الحزب الحزب الفاشي الإيطالي المعروف باسم فياما تريكولور -الذي تأسَّس سنة 1993، والذي يتزعمه لوسا رامينولي- والذي يجاهر بفاشيته، تماما كما تجاهر أليسندار موسيليني حفيدة موسيليني، والتي تتزعَّم حزب أزيون سوسيال -الذي تأسس سنة 2003- وتفتخر بأنَّها حفيدة موسيليني رائد الفاشية في إيطاليا.

ولم تسلم الدول الأوروبية التي انضمَّت حديثا للاتحاد الأوروبي والمنظومة الأوروبية من لوثة الأحزاب اليمينية؛ ففي كرواتيا بدأ حزب (HKD) -أو الحزب الديمقراطي الكرواتي، الذي تأسَّس سنة 1989، ويترأسّه إيفو سنادر- يردِّد أطروحات اليمين الأوروبي المتطرف، وعكس هذا الحزب توجهاته اليمينية على مسلكية الحكومة التي نجح في تسييرها، وبات يطالب بشعار كرواتيا للكرواتيين.

وفي اليونان، بدأ حزب ليكوس أورتوكودوس -الذي تأسَّس سنة 2000، ويترأسه جرجوريوس كازافيرس- في تبنى الشعارات المعادية للمهاجرين، والتحذير من ظاهرة توطين الإسلام في أوروبا.

وفي ألمانيا، تجاوزت الأحزاب اليمينية المتطرفة كلَّ الخطوط الحمراء، وباتت تُجَاهر صراحة بما يتعارض مع القانون الألماني.

وفي بولونيا وصربيا وسلوفاكيا وروسيا وليتوانيا ورومانيا والنمسا عشرات الأحزاب والتيارات السياسية اليميينة، التي تتحامل على الإسلام بحجة الحفاظ على الهوية الوطنية المهددة والثقافة المحلية الآيلة إلى الانقراض. وعلى الرغم من الغارة الثقافية الأمريكية الكبرى على الواقع الأوروبي، إلا أننا لم نسمع مَنْ يُشير إلى تهديد الثقافة الأمريكية على أوروبا، اللهم إلا بعض التيارات اليسارية الأوروبية التي ترى أن أمريكا نجحت في اختراق أوروبا ثقافيًّا واجتماعيًّا وحضاريًّا، بعد أن اخترقتها سياسيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا.

تعليق عبر الفيس بوك