السياحة على السَّاحة

هلال الزَّيدي

تَطْفُو على الساحة في هذه الأيام أحاديثُ السياحة؛ من حيث: المرافق، وأماكن الإيواء -من فنادق، ومنتجعات، وشقق فندقية- وأرضية مجهزة للسيّاح بكافة متطلبات الباحثين عن أوقاتٍ للنقاهة والاستجمام، ولكون السلطنة بكافة مُعطياتها الجغرافية تزخر بأماكن لا تزال بِكْرا من حيث اكتشافها؛ فتُمثل الطبيعة الخلابة النسبة الأكبر في خارطة الأماكن السياحية التي يقصدها المواطنون والمقيمون والسياح القادمون من مُختلف دول العالم، إلا أنَّ هذا الامتداد بكافة تفاصيله لما يكن مُستقطبا كبيرا بعد؛ فهو بحاجة للعديد من المستلزمات التي يجب أن تتوافر، وربما كذلك الثقافة السياحية في المجتمع على المستوى الداخلي لم تولد بعد، إلا أنَّ الظروف السائدة في مختلف دول العالم تدفع المواطنين إلى اكتشاف هذا المخزون الثري، الذي عجزت عنه جهات الاختصاص في الترويج له وإيجاد مناطق جاذبة من حيث ما يجب أن يتوافر في مختلف المواقع السياحية.

لقد شهدتْ الأيام الماضية نزوحَ أعدادٍ كبيرة من السياح أعطتْ مُؤشرا كبيرا بأننا نفضِّل أن نستمتع بجماليات بلادنا، وننعش كافة الجوانب المرتبطة بالسياحة، لكن تجيء الرياح بما لا تشتهي السفن في كيفية جعل هذه المواقع مواقع ثرية بثقافتها وخصوصيتها وهويتها الممتدة مع التاريخ والحضارة، كما أنَّ هذا التدفُّق أعطى مؤشرا آخر بضعف توجهات الحكومة في جعل السياحة قطاعا ذا مردود أكبر يساهم في رفد الاقتصاد الوطني في ظل الأزمة النفطية التي يشهدها العالم، وهددت الموازنة العامة للدولة، وقادتها إلى عجز كبير باعتمادها الاعتماد الكلي على النفط، بينما لدينا ثروة كبيرة، إذا أحسنَّا التعامل معها فبالتأكيد ستكون رافدا وبديلا لتذبذب أسعار النفط.

لا أدري لماذا تضع وزارة السياحة إستراتيجيات كبيرة يُعلن عنها بين الفينة والأخرى؟ لكننا لا نرى لها أثرًا رغم ذلك الشعار الذي يقول بأنَّ السياحة تُثري، فلا أدري تُثْري مَنْ؟ وكيف تُثري؟ في الجانب الآخر وحيث الدعوة إلى الاستثمار والمطالبة بتذليل الصعوبات فيه، نجد المستثمرين المحليين الذين أكلوا وشربوا من هذه الأرض يتوجهون إلى أماكن أخرى لاستثمار أموالهم تاركين مجتمعهم في معزل عن العالم الآخر والمجاور، فربما هي ازدواجية المصالح التي يفكر فيها المستثمر العماني من حيث رغبته في الربح السريع دون التفكير في تنمية الوطن وإيجاد منظومة متكاملة من التكافل على مبدأ الحقوق والواجبات، ولعل ما قامت به الوزارة منذ فترة عندما قرَّرت سحب الأراضي السياحية التي لم تُفعّل، لهو القرار السليم؛ لأننا نحتاج إلى مُسثمر واقعي تهمُّه مصلحة الوطن، لا مستثمر يبحث عن مكسب مادي ومصلحة شخصية، لكن ماذا بعد هذا القرار؟ ومتى تكون الإستراتيجية السياحية على الواقع مُفعَّلة؟

في كل مكان وفي كل بقعة هوت الأسر بأجسادها من أجل أن تسترخي من عناء العمل وتجديد الأفكار، إلا أنَّ تلك الأماكن لم تكفِ هذا النهم الكبير ولم تستطيع أن ترضى عمَّا يبحث عنه المواطنون، وهذه نتيجة وصلت إلى الصغير قبل الكبير وإلى الغفير قبل الوزير، فلماذا هذا الفتور من قبل الحكومة والجهات المختصة في قطاع السياحة؟ ولماذا لا تُحرك تلك المناظر وتلك الازدحامات الخانقة ساكنا في نفوس من يتخذ القرار من أجل تفعيل الوطنية المتجسِّدة في الشعارات المرفوعة لإيجاد سياحة منتجة ومتفاعلة مع الواقع؟ إلى متى نجلس في منأى عن المستجدات التي تتسارع في كافة مكونات السياحة؟ ألا يمكن أن نكون وجهة محلية وعالمية كوننا نتمتع بأمان كبير؟ أسئلة كبيرة نجد الإجابة عنها صعبة جدا، فيما نجد المبرر لا واقع له.

لقد بات على الجهات المختصة دَوْر أكبر في تنمية هذا القطاع وزيادة كل المرافق التي تتطلبها السياحة، وذلك حتى نبتعد عن واقع الاستغلال المفرط من قبل القلة التي تمسك بزمام المواقع السياحية، لأنها أصبحت ظاهرة كبيرة ولا يمكن أن تستمر في وقت نبحث فيه عن أماكن لنساهم في تنشيط هذا القطاع دون الحاجة إلى مَنْ يحمي حقوقنا كمستهلكين؛ فالسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا أيها المستثمرون تستغلون حاجاتنا وتضعوننا بين المطرقة والسندان؟ من حقكم أن تكسبوا لكن ليس على حساب حاجتنا، فتستغلوا الوضع بسبب عدم وجود البديل وتفرضوا علينا أسعارا خيالية.

هناك ظاهرة أخرى أفرزتها الأيام الماضية في كيفية تعامل المجتمع مع المواقع السياحية، فتبين أنَّ هناك فئة كبيرة لا تلقي بالاً لما يجب عليها تجاه ما تخلفه خلفها بعد أن تستمتع بالطبيعة؛ فتطفق عابثة بما تبقى من جمال لتحوله إلى مكب للنفايات، وهنا يبادرني سؤال مهم: هل نحن بحاجة إلى سَنْ تشريع وفرض عقوبات على من لا يتعامل مع المواقع السياحية كما يجب؟ لماذا لا نعتبر أي موقع ننزل به أنه بيتنا الذي نحافظ على نظافته، ونستخدم مرافقه كي تبقى نظيفة لمن يأتي بعدنا؟ تبقى تلك أمنيات، فبما أننا نريد من الحكومة أن تؤسس لنا سياحة ومرافق كثيرة، يتطلب علينا المحافظة عليها قبل أن يأتينا القانون لفرض عقوبة ضدنا، لكن لا يمكن أن يعتبر ذلك مبررا في تهاون جهات الاختصاص في بذل كل ما لديها في تنمية هذا القطاع.

نحتاج إلى وقفة صادقة تتَّفق حولها الاحتياجات ونضع من خلالها الأولويات التي تساهم في بناء هذا الوطن، كما نحتاج تسريع وتفعيل الإستراتيجيات المرسومة للنهوض بالقطاع السياحي، ليكون جاذبا للسياح ومستقطبا للكوادر الوطنية من أجل أن تكون الاستفادة في كافة اتجاهاتها.

------------------------------

همسة:

لا يُمكن أن تَحْدُث تنمية بدون الإنسان، ولا يُمكن أن تتكامل الصورة للقطاع السياحي بوجود مستغلين ومحتكرين، ولا يُمكن أن نَبْقى في مَعْزِل عن مُستجدات العالم في إيجابياته مهما تبدَّلت الوجوه والمسؤوليات.. إذاً علينا أن نُؤمن بقدرتنا على تغيير الملامح الفجَّة المنغلقة؛ لتكون أكثر إشراقا من أجل هذا الوطن.

* كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك