سامي السعيدي.. الملف الغامض

أحمد السلماني

قبل أسبوع من الآن صُدمت الرياضة العمانية بالمشاركات الهزيلة والخسائر المتلاحقة للهوكي واليد، ومشاركة كانت دون الطموح لفرقنا الوطنية في الألعاب الخليجية، لكنها تتناسب وواقعنا، ومع ذلك فقد كان الاجتهاد عنوانَ الجميع، ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير بخسارة منتخبنا الكروي من تركمانستان، وتضاؤل فرص تواجده بالتصفيات النهائية لكأس العالم، كل ذلك حدث رغم الدعم السخي، ثم يأتي من يُداوي كل ذلك ويضع البلسم على الجروح التي صارت قروحا ليتوج سامي السعيدي (الرقم الإيجابي في الرياضة العمانية) بطلا للعالم في السباق العالمي للجري لمسافة 50كم، ليعتلي منصة التتويج ويتقلد الذهب ليروي لنا قصة البطل الصامت إن جاز لنا التعبير.

وفي كلِّ مرة يشارك فيها بطلنا الشاب يكون الإعلام الرياضي العماني آخر من يعلم، ولا نعلم أين هي المشكلة في إخطار الإعلام الرياضي الذي هو الشريك الأصيل في الرياضة وصناعة الأبطال؛ حيث لا روزنامة محددة لمشاركات سامي حتى يتابعها الإعلام، ولم يشعر أحد بمشاركاته، ولا ندري السبب في ذلك.. وأوجه ذات السؤال لبطلنا فيما إن كان بحاجة إلى من يتحمَّل الترتيبات الإدارية كوكيل لأعماله؛ حيث إنَّ التنظيم عامل مهم في تحقيق الإنجازات، أو إن كان من الضروري وجود منسق إعلامي يرافق النجم أينما حلَّ وارتحل؛ حيث إنَّ توثيق مشاركات اللاعبين والمتسابقين أمر في غاية الأهمية، وعلى سبيل المثال فإن نجم الراليات العماني أحمد الحارثي يستعين بمنسق إعلامي؛ وبالتالي فالآلة الإعلامية التابعة له تجعله واحدا من الأرقام الصعبة اليوم على مستوى العالم، وبالتالي فشخصيًّا لا أجد ما يُبرِّر عدم إشعار الإعلام بمشاركة سامي إلا إن كان العداء نفسه يخشى الفشل، وهذا أمر مستبعد تماما كون المطبات والإخفاقات أحيانا هي مقدمة لإنجازات، وبطلنا كان ولا يزال "بطلًا فوق العادة" ولا يرتضي لغير منصات التتويج بديلا.

وما دفعني للكتابة في هذا الموضوع بالذات هو اتصال أحد أعز أصدقائي وبدافع من الغيرة على رياضة السلطنة، ومن منطلق وطني يُشكر عليه، فضلا عن كونه من أبناء عبري الواعدة -وهي الولاية التي ينتمي لها نجمنا الرائع- ويتحدث عن تغييب إعلامي وضآلة الدعم المقدَّم للاعب الذي يُبلي حسنا ودائما ما يلتحف بعلم بلاده نظير حبه لها، ولربط الموضوع والوقوف على حقيقة هذه الحالة فقد تواصلت مباشرة بالمعني في وزارة الشؤون الرياضية الذي أثنى على العداء وإنجازاته، والتي هي محل تقدير القائمين على الرياضة العمانية، ويؤكد أنَّ الآلية السليمة في تعاطيهم مع حالة سامي السعيدي تتم عن طريق الاتحاد المعني وهو اتحاد ألعاب القوى، ولأنَّ تخصص اللاعب في الماراثون الصحراوي ولمسافات طويلة ولخصوصيته فإن الوزارة وضعت في حساباتها محدودية إمكانات اتحاد القوى أمام متطلبات وتكاليف مثل هذه الرياضات، والتي تحتاج إلى إمكانات لوجيستية وفريق مرافق؛ وبالتالي فقد أوعزت لاتحاد القوى رفع هذه المتطلبات، وقد نال العداء الدعم المطلوب في مشاركات سابقة، وبالرغم من كون المكافآت والتكريم الممنوح من الوزارة للمجيدين من الرياضيين يخضع لمعايير، إلا أن العداء البطل قد تم استثناؤه تقديرا لعطاءته، وللأمانة فقد كان طرح المعنيين بوزارة الشؤون الرياضية صريحا وشفافا.

ولربط كافة أطراف القضية، تواصلتُ مباشرة مع أحد رجالات اتحاد القوى الذي شَكَر اللاعب على عطاءاته، وإنهم لا يخلون أنفسهم عن المسؤولية، ومع ذلك أصرَّ على أنَّ هذا النوع من السباقات ليس من اختصاصات اتحاد القوى، وليس ضمن برامجه أو مسؤولياته، ومع ذلك فقد كانت توجيهات المسؤولين بضرورة الاهتمام بالعداء سامي، فضلا عن أن ملفه قد نُوقش على مستوى الصف الأول من المسؤولين بالوزارة واتحاد القوى، ووفق الإمكانات سيقدم الدعم وما تجاوز ذلك سيرفع للوزارة وعلى كل حال فقد كان الرد واضحا وصريحا.

وقبل أن أتواصل مع المختصين بالوزارة واتحاد أم الألعاب، ولتبيان الحقائق حاولت التواصل مع بطلنا السعيدي وبشتى الوسائل، ولكن تعذر الحديث معه ربما بداعي تواجده خارج السلطنة، ولكن وللأمانة كلما حاولت شخصيا الاقتراب من العداء للوقوف على حكايته اللغز لم يتسنَّ لي ذلك؛ وبالتالي ففي هذه الحالة أجد أن الحلقة المفقودة في هذا الملف المعقد إنما هي بيد البطل نفسه، الذي فيما يبدو نأى بنفسه بعد أن ضاق ذرعا من كون الوزارة تلقي بالكرة في ملعب اتحاد القوى والعكس، ففضل أن يواصل رحلته بعيدا عن هذه المعادلة غير الموزونة تماما.

هنا.. نجد أنفسنا مضطرين إلى تقمُّص شخصية المنظرين، ونتحدث عن ضرورة عقد حلقه نقاشية تجمع الوزارة باتحاد القوى واللاعب، وبحضور الإعلام الرياضي أو بدونه؛ للخروج برؤية واضحة وشفافة تُوضع كخارطة طريق لمثل هذه الرياضات غير المصنفة، ولأنَّ نجمنا المحبوب لا يزال في بداية الطريق ومستقبله الرياضي لا يزال يُبشر بالخير العميم، وللاستفاده من خبراته في مثل هذه الماراثونات الشاقة في تأسيس قاعدة واسعة متاحة جدا لدواعي جغرافية السلطنة الوعرة واعتياد وقدرة العماني على التكيف معها وضمان التفوق بها، فلا بأس من جعل بطلنا العداء نواة لهذه الرياضة والتي ستعود بلا شك باستثمار جيد للرياضة العمانية وللسياحة بالسلطنة في تنظيم مثل هذه السباقات؛ حيث وقبل أسبوعين من اليوم نظمت السلطنة واحدا منها وكان النجاح حليف المنظمين.

تعليق عبر الفيس بوك