الكفاح هوايتي

محسن الحاتمي

غالبًا ما أجد نفسي محصورًا بين الضمير الظاهر والضمير المستتر.. الإثنان معًا وجهان لجسد واحد.. قد أستسلم لواقع اﻷمر وأصرخ من داخلي إلى متى سأظل رافعًا راية الصمود، إذ ﻻ بد أن يأتي يوم ما لأجد نفسي فيه قد تعبت وانهزمت أمام عجلة الزمن، ليس كوني شعرت بالملل والسأم فقد يغلب على نفسي تكرار الشيء ذاته روتينيًا بشكل يومي.. ربما أحاول التشبث بما يلوح في اﻷفق من أمل جديد ودفع ثمن البقاء في حب الحياة..

حاولت إبعاد نفسي عن كل الكلمات المسمومة المغلّفة بطابع اﻹحباط.. دوامة تدور حولي اشتباكات تحاول ثني جهدي وإفشال طموحي، متذرعة فارضة كلماتها أنت مُقعد معاق.. لن تلحق بركب اﻷسوياء أمام غطرسة وجشع طموحاتهم، لن تجد مكانًا بين رغباتنا الجامحة..

نعم سوف أفرض نفسي ليس بكلماتكم المسمومة فقد شوهت مسامعي ولن أعيرها اهتمامًا... خلقنا لغرض أسمى من ذلك؛ خلقنا لعبادة رب الكون وبث روح السعادة في الآخرين وإعانتهم..

إعاقتي حقيبة سفري.. تأبى مفارقتي وقد قطعت عهدًا على نفسي وأقسمت بذلك منذ نعومة أظفاري.. اغتالت طفولتي جعلتني سجينًا خلف القضبان و وراء شبابيك المنزل.. حينها قررت التعليم؛ لعلّ وعسى يضيف لي معنى جديدًا في حياتي؛ محاوﻻ استكشاف الغموض الذي يلف من حولي ودخول عالم المعرفة إبتداءً بالصف اﻷول... هي بدايات جميلة كانت لكتابة أولى حروف اسمي لجسد متعثر...!! إعاقتي وحقيبة مدرستي شيئان متلازمان لجميع مراحل تعليمي وانتهاءً بالتعليم الجامعي..

كنت أظن أنّه عندما انتقل إلى مرحلة متقدمة ربما تتنازل إعاقتي عنّي وتتركني وشأني، كنت أظنها ستعلن الاكتفاء مني.. وتقول: أنت اﻵن مفكوك القيود تنعم بحرية الحركة تمشي على رجليك.. لكن دائما نفسي توسوس لي بحب التحرر من اﻹعاقة.. لكنها لن ولم تطلق سراحي رافضة التخلي عن جوهر الجسد لطالما استوطنته واحتلته لعقود من الزمن.. عندما انتقلت للمرحلة الجامعية كنت مسرورا جدا لأنها تعني لي شيئًا مختلفا عن التعليم النظامي.. هل أتخلى عن الكتاب والقلم والبحث والمشاريع مع هاجس المذاكرة تناسيت كوني على كرسي متحرك، لقد انشغلت بالجامعة وتذكرت أن إعاقتي تلازمني وتأبى أن تتركني.. ابتعدت عن أهلي وربطت أحزمتي سافرت معي إعاقتي من أجل التعليم الجامعي تركت أسرتي منشغلة التفكير بي.. لكن إرادتي ومشيئة خالقي شاءت ذلك.. والمهم أني أكملت دراستي بعون من الله وتوفيقه وبعزيمتي وحب طموحي..

عندما أعزل نفسي عن صخب وضجيج العالم من حولي أعيد ترتيب ولملمة شتات نفسي وتجميع ما تبقى من جسد متهالك.. أجد نفسي وأصرخ من داخلي ألف مرة: مقعد معاق.. ليس من باب التأمل في مكنوناتي وإنما البوح بما تكنه نفسي من كفاح يومي.. لن أجد طريقي مفروشًا بالسجاد والزهور.. نعيش على وقع أمل منشود طال انتظاره وﻻ يلوح باﻷفق.. مسحت عبارات البؤس والإحباط والكسل من قاموسي.. مرات عدة كان الفشل يدنو مني ويحيط بي لكن تعلمت كيف أتفاداه محاوﻻ تجنبه.. زرعت حب اﻷمل للحياة بكفاحي محاوﻻ مواكبة ركب اﻷشخاص اﻷسوياء..

تشدني مقولة إعاقة العقل وليس الجسد.. قد أرسم نموذجا لمن هم يعانون مثلي كي ﻻ يبقوا رهيني الدار وأمحو من محيطهم جهاز التلفاز الذي يعتبر عينهم التي يطلون بها على العالم الخارجي..

نعم تعب المعاقون كثيرًا ولكن تأكدوا بأنّ هناك أملا جديدًا يلوح في اﻷفق ينتظركم لكي ترسموا البسمة على محياكم.. ﻻ تيأسوا وﻻ تستسلموا.

دفعت ثمن الكفاح غاليًا متناسيًا سرعة جني ومردود كفاحي، كنت أفكر بما هو أسمى من ذلك، دائمًا على نصب عيني هناك منحنى رسم ثابت قد تتغير اتجاهاته وقيمه لكن المحصلة واحدة فمهما تغيّرت المتغيّرات سيبقى هناك مجهول ينتظرني يستفزني يزعج وينغص مزاجي.. لن أسعى يومًا مجتهدًا لنيل هدية على خشبة التصفيق نتيجة لثمن كفاحي.. ولن أترك الناس تستلطفني رافعًا شعار لست معاقًا كما تظنون وأمحو من مجتمعي القيل القال..

لن أكبح جماح طموحي مهما كان، ولن أسمح يومًا لإحساس الشفقة أن يتغلغل إلى جسدي وينال من عزيمتي وإرادتي.. تتعبني كثيرًا النظرات المُشفقة أحسها كرماح مغروسة في جسدي.. ﻻ أملك تفسيرًا دقيقا لنظراتكم قد تعني لي الكثير محاوﻻ جمع قواي لاسترداد حماسي متجاهلا تطفل النظرات بدافع الفضول الجامح.. سوف أرفع راية جهادي في الحياة بدون إعلان مسبق وبلا توقيع هدنة، نعم سأكون متصالحًا مع نفسي ولكن سأحارب إعاقتي ولن أعقد معها صلحًا مدى الحياة.

تعليق عبر الفيس بوك