درجة الصفر.. كيف نستثمرها؟

حميد السَّعيدي

لا يستغربُ العُمانيون حصول السلطنة على درجة "الصفر" في المؤشر العالمي للإرهاب؛ لأنهم يعوون أنَّ هذه طبيعة حياتهم، ومن ثمار النَّهج السلمي الذي بنوا عليه حضارتهم وعلاقاتهم مع شعوب العالم، وتمثِّل هذه الدرجة ذروة الأمان من التهديدات الإرهابية، بحسب التقرير الصادر عن معهد "الاقتصاد والسلام" في مؤشره الدولي الثالث للإرهاب للعام 2015، وهي الدرجة ذاتها التي حصلت عليها السلطنة في العام 2014، وهي تعطي مؤشرات عن مستوى الأمن والاستقرار الداخلي؛ نتيجة للسياسة الداخلية القائمة على العدالة الاجتماعية، والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، وسيادة التسامح الفكري والديني بين أطياف ومذاهب المجتمع العُماني، وثبات الخطاب الديني القائم على بناء منهج إسلامي معتدل يسعى لبناء حوار اجتماعي بين المواطنين، إلى جانب حرية الحوار، وعدم مصادرة الفكر، واعتدال الخطاب الإعلامي والذي يشتق سياسته من ثقافة المجتمع.. كلُّ هذه العوامل كانت سبباً رئيسيًّا في بناء الشخصية العُمانية التي نعهدها اليوم، والتي تميَّزت بخصوصية أصيلة نابعة من الإرث الحضاري العُماني؛ ذلك الإرث الذي تجلَّى في شهادة خير خلق الله النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- وذلك في قوله: "‏لو أن أهل عُمان أتيت، ما سبُّوك ولا ضربوك‏"؛ فكان هذا منبع الأخلاق الرفيعة، والقيم السامية، والعلاقات الحسنة التي تمكن العُمانيون من بنائها مع حضارات وشعوب دول العالم المختلفة على مرِّ التاريخ، مما أسهم في دورهم الكبير في نشر الإسلام ورسالة السلام في مختلف قارات العالم، وكانوا رواد الوصول إلى مناطق بعيدة من العالم، تمكنوا خلالها من تحقيق التواصل الحضاري بين الشعوب، وفي عهد النهضة العُمانية الحديثة كان الخطاب السامي لجلالة السلطان قابوس بن سعيد القائم على التسامح والسلام العالمي، المؤثر الأقوى في بناء الإنسان العُماني، والذي توج بنيلِ جلالته بجائزة السلام الدولية عام 1998م كأول حاكمٍ يتم منحه هذه الجائزة، كما تم تكريم جلالته بحصوله على جائزة السلام من الجمعية الدولية الروسية؛ وذلك تقديراً لجهوده في السلام العالمي، في حفل أقيم في العاصمة الروسية في 18 يوليو 2007م، حيث يؤكد جلالته في جميع خطاباته على السلام العالمي "أننا نؤدي دورنا في المجتمع الدولي، ومحافله بإيجابية وفعاليةُ، ونشارك في حل القضايا العادلة، ونحن كأمة إسلامية نضع نصب أعيننا القيم النبيلة والأفكار السامية والتمسك بمبادئ ديننا الحنيف".

ولكن كيف يُمكننا اليوم الاستفادة من هذا التصنيف بما يعود بالنفع على هذا الوطن، في ظل الفكر الاقتصادي العالمي، الذي يقوم على المؤشرات الدولية التي تصدر عن المؤسسات والهيئات العالمية المتخصصة في مجال الدراسات والقياسات الدولية المعنية بالأمن والأمان الدولي؛ فهذه المؤشرات تعطي دلالة على مدى توافر هذه المستويات الأمنية؛ حيث يُمثل هذا التصنيف مكسباً اقتصاديا يساعد على جذب الاستثمارات الدولية في مجال الصناعات الثقيلة والتقنية، ولكن حتى نستثمر ذلك بطريقة إيجابية؛ فالأمر يتطلب معالجة العديد من الإشكاليات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، فلا تزال الإدارة التقليدية هي المتحكمة في إنجاز العديد من المشاريع الاقتصادية، وتعرقل الاستثمار الأجنبي، والتي تعاني من قضايا متعددة؛ منها: طول فترة الانتهاء من الإجراءات الروتينية التي اجهدت العديد من المستثمرين خاصة العُمانيين ودفعتهم للتوجه لدول أخرى بالرغم من توفر البنية الأساسية المتهيِّئة للاستثمار، إلى جانب قضايا متعلقة بالشراكة، والقوى العاملة، والأنظمة التقليدية، رغم التوجه الرسمي للدعوة لتنويع مصادر الدخل في ظل الانخفاض المستمر في أسعار النفط، إلا أنَّ ذلك لا يتوافق مع ما يحدث في الجهات الرسمية الاقتصادية، فنحن بحاجة إلى إدارة اقتصادية تعتمد على المنهجية الحديثة القائمة على التقنية في سرعة انجاز المعاملات وتوفير المساندة المناسبة للمستثمرين.

والأمر لا يقتصر على الاستثمار الاقتصادي، وإنما هناك مجال السياحة والذي يعد من أقوى الأنشطة الاقتصادية القادرة على تحقيق العديد من العوائد المالية؛ حيث إنَّ العديد من دول العالم التي تعتمد على السياحة كأحد المصادر الرئيسية لاقتصادها، وحيث تتوافر كل مقومات السياحية في بلد يتميز بالثراء السياحي والإرث الحضاري وكل العوامل التي تدفع السائح للقدوم إليها، إلا أنها تفتقد للكثير من الاحتياجات التي يحتاج إليها السائح، والتي تمثل له أحد المتطلبات الرئيسية، وهذا ما اتضح خلال الفترة الماضية، فنحن لا نرغب في الاستثمار في هذا المجال بالرغم من وجود مؤسسة معنية بالسياحة، لكننا لم نرَ ذلك التغيير التي نطمح به، إلى جانب أننا نفتقد للعنصر الرئيسي المحرك للاقتصاد الوطني وهو الإعلام الحقيقي القادر على تحقيق الأهداف والرؤى الوطنية؛ حيث يعتبر الإعلام مؤثرًا في التنمية الاقتصادية الناجحة من خلال مقدرته على توفير البيانات والمعلومات للمؤسسات، والمختصين في المشاريع الاستثمارية، وتقديم الخبرات الاستشارية من خلال التحليل الاقتصادي بصورة منهجية، ونش ثقافة الدعاية والإعلان عن مدى توافر البنية الأساسية لاستقبال الاستثمارات الأجنبية؛ مما يُسهم في بناء التنمية المستدامة للمجتمع.

إلا أنَّ ما يحدث في العالم من تحكُّم القرار السياسي، وسيادة المصالح الاقتصادية في العديد من الأحداث، نجد أنفسنا رهنَ سلعة واحدة وهي النفط، والتي لا نملك التحكم بأسعارها، وما حدث خلال الفترة الماضية يوضح جليًّا حجم إخفاقنا في نباء منظومة اقتصادية حديثة؛ لذا كانت المعالجة من خلال السعي لاتخاذ إجراءات تقشفية في سبيل معالجة العجز الكبير في الميزانية السنوية، ولكننا لم نفكر في كيفية إعادة بناء رؤية اقتصادية قائمة على معرفة عوامل إخفاقنا في إستراتيجية عُمان 2020، وهنا أود عرض قول بيل جيتس "إنَّ العالم لا يهتم باحترام ذاتك، العالم يتوقع منك أن تقوم بإنجاز شيء قبل أن تشعر بالرضا عن نفسك".

Hm.alsaidi2@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك