كلية التربية: حانت لحظة الاحتفال بالاعتماد

د. سَيْف المعمري

لن يكون هذا الأسبوع أسبوعاً عاديًّا لكلية التربية بجامعة السلطان قابوس بصفة خاصة، وللجامعة بصفة عامة.. إنه أسبوع فاصل بين مرحلتين في تاريخ هذه الكلية، التي ناضل جميع أعضائها من أكاديميين وإداريين وطلاب طوال السنوات الخمس الماضية من أجل الوصول إلى اللحظة الجميلة في تاريخ أي مؤسسة تعليمية في هذا العالم، إنَّها لحظة "الاعتماد الأكاديمي" العالمي الذي يجعل من مؤهلات خريجي هذه الكلية مُعترفًا بها عالميًّا، وفي الوقت الذي تحوَّلت فيه الكلية خلال السنوات الماضية إلى عملية إعادة بناء شاملة لكل شيء فيها، كان البعض يعتقد هذه اللحظة بعيدة جدا على العمل النوعي المطلوب إنجازه خلال السنوات المحددة لذلك، لقد كُنت جزءا من هذه العملية المضنية، وأعرف كم الوقت الذي قضيناه جميعا في تأهيل برامجنا ومقرراتنا وأساليب تقومينا وخبراتنا لكي تتسق مع المعايير العالمية التي تُطبقها كثير من كليات التربية في هذا العالم الذي تتنافس جامعاته على احتلال مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية، كما تتنافس في أن يكون خريجوها من أفضل الخريجين في العالم قادرين على العمل في أي بلد وفي أي بيئة تعليمية؛ لذا فالجميع على ثقة من أن هذا الأسبوع سينتهي باحتفالية كبرى في كلية التربية؛ فالجميع هناك يُهيِّئ نفسه للاحتفال ويتعامل مع هذه الزيارة الأخيرة للاعتماد تعاملا طبيعيا ينمُّ عن ثقة كبيرة، لأن ما يجب أن يُنجز قد أُنجِز ولم يبقى إلا أن تقول هذه اللجنة سوى كلمتها الأخيرة "Congratulation"، حتى تنطلق بالونات الفرح بهذا الإنجاز، وما أجمل الفرح الذي يأتي بعد عمل دؤوب، وما أجمل الفرح الذي يأتي بجهد جماعي، وما أجمل الفرح حين يكون ترجمة لإيمان بهدف مشترك.

مَضَتْ خمس سنوات منذ أن بدأ مشوار كلية التربية بجامعة السلطان قابوس لنيل الاعتماد الأكاديمي الذي سبقتها إليه كليات الطب والهندسة، وإذا جاز لي وصف هذه السنوات، فإنني أصفها بمرحلة "الولادة الجديدة" لهذه الكلية التي أنشئت في العام 1986، قامت خلال ذلك بدور كبير في النهوض بالنظام التربوي العماني، من خلال تأهيل الموارد البشرية التي أصبح كثير منها في مراكز تربوية قيادية تلعب دورا كبيرا في بناء السياسات التربوية، ولم يكن أن تمضي في نفس الطريق دون أن يكون هناك أفق تجديدي يستقي رؤاه من أحدث التطورات العالمية في التطوير المؤسساتي للجامعات والكليات، والهدف ببساطة هو البحث عن الجودة، لأنه لا يمكن أن ينهض النظام التعليمي دون الالتزام بمعايير الجودة في مختلف الجوانب؛ سواء من حيث مضمون المقررات التي تقدم، أو من حيث أنظمة التقويم، أو من حيث أساليب التدريس، أو من حيث بناء القدرات والمهارات البحثية والقيم الأخلاقية، ومن حيث إدماج التكنولوجيا، وتوفير الأدلة المختلفة على تحقق تلك الجوانب، وهذه هي المسارات التي ركزت عليها الكلية في إحداث تغيير في شخصية خريجيها الذين سيعملون في ظروف مختلفة وفي زمن مختلف يتطلب منهم البحث والتأمل والتجديد والابتكار الذي يجعل من مدارسنا قادرة على التغلب على مختلف التحديات التي تواجهها اليوم.

إنَّني لا أريد هُنا أنْ أسردَ ما جَرَى خلال السنوات الماضية استعدادًا لهذه اللحظة التي لا أريد أن أعبر عنها بأنها لحظة تحدد أن نكون فيها أو لا نكون معتمدين، فأنا على ثقة كبيرة جدا مما عايشته خلال السنوات الماضية من عمل نوعي ومنهجي جاد في صياغة عمل الكلية وبرامجها ودرجاتها بأننا سنكون معتمدين وبجدارة واستحاق كبيرين، وأن هذا العام ستودعه الجامعة بإنجاز كبير جدا باعتماد كلية أخرى من كلياتها، أود فقط أن أؤكد على بعض النقاط في دلالات هذا الاعتماد والتي يأتي في مقدمتها دور القيادة في إحداث التغيير وقيادة مشروع مثل مشروع الاعتماد الذي يتطلب في المقام الأول الإلهام وبناء الفرق وبث الدافعية الكافية لرحلة شاقة مثل رحلة الاعتماد، وهنا لابد أن أقول رغم أن هذا الإنجاز القريب بذل الجميع كل جهدهم في سبيل الوصول إليه، إلا أنَّ العميدة السابقة للكلية الدكتورة ثويبة البروانية والعميد الحالي لها الدكتور سليمان البلوشي كان لهما دور كبير في بناء الإرادة والدافعية لتحقيق هذا المشروع المهم، وفي قيادة الكلية إلى ولادة جديدة تجعلها أكثر قدرة على التميُّز وتنظيم عملها بشكل منهجي، لقد كان الدكتور سليمان القائد السابق للجنة الرئيسية للاعتماد وعندما أصبح عميداً للكلية منذ العام الماضي واصل دوره في تحقيق هذه الغاية كان موجودا في كل مكان، وكل وقت، وفي كل اللجان التي تعمل في جوانب الاعتماد المختلفة، كان الرهان الكبير على صبره في إنجاز مهمات متعددة في أوقات متقاربة، وأيضا في حلِّ العديد من الإشكاليات المرتبطة بتوفير متطلبات الاعتماد.. إنَّها كلمة حق لابد أن تُقال ونحن ننتظر اللحظة الحاسمة في هذا المشوار، أن هذا الرجل يستحق التكريم والإشادة فهو من وجهة نظري -التي لن يختلف معها جميع أعضاء الكلية- يعتبر اليوم من أهم القيادات التربوية في البلد، وأن قيادته الكلية في هذه الفترة سوف تجعلها لن تكتفي بإنجاز مشروع الاعتماد بل سيجعل منها الكلية الرائدة في المنطقة في جوانب مختلفة؛ أهمها: البحث العلمي الذي يشهد تطورات نوعية وكمية.

وبالإضافة إلى القيادة، أود الإشارة أيضا إلى قيمتين على درجة كبيرة من الأهمية في نجاح أي مؤسسة في مجال الاعتماد وتحقيق الجودة؛ وهما: الحوكمة والشفافية، فبدونهما لا يمكن أن يحقق أي نجاح؛ فشعور الجميع بأنهم شركاء في القرار والمسؤولية، وأنَّ النجاح هو نتاج لجهدهم وأدائهم لدورهم في الفريق يجعل العمل يمضي بيسر، كما أنَّ شعورهم بوجود آليات واضحة وشفافة للقرارات الداخلية في الكلية يزيد من دافعيتهم وتقبلهم للمهام والمعايير الموضوعة؛ سواء لتقييم تدريسهم أو لتقييم نتاجهم البحثي الذي يتقدَّمون به للترقية التي لا تزال الأكثر صرامة في المنطقة لا يمكن أن يجتازها إلا من لديه مؤشرات وأدلة واضحة تمكن من الاعتراف به كباحث ومدرس قوي في مجاله، ولاشك أن وجود هذه المعايير وهذه القيم داخل الكلية قاد إلى اختيار بعض أعضائها ليكونوا رؤساء لبعض العمادات والمراكز البحثية داخل الجامعة وخارجها، وجعلهم الأكثر فرصا للحصول على تمويلات لمشاريع بحثية كبيرة، وزاد من عدد الجوائز المحلية والإقليمية والدولية التي يحصلون عليها، كما قاد إلى زيادة عدد خريجي طلاب الكلية في مجال الدراسات العليا بدرجاتها المختلفة، وزاد من تأثير الكلية في مجال بناء المجتمع من خلال الخدمة الاجتماعية التي يقوم بها أعضاؤها في مجالات مختلفة.

... إنَّ الاعتمادَ ليس مشروعا يبدأ وينتهي، إنه رحلة من أجل تحقيق النجاح بشكل أكثر تميزا، إنه ليس لحظة إنما مسيرة لابد أن تواصلها الكلية بنفس الإرادة والعزم والطموح، إنه ليس قمة نود أن نجلس عليها، إنما جبل لابد أن نستمتع بتسلقه باستمرار لأنه يحقق لنا أهدافا نوعية، ويجعلنا نؤدي عملنا بشكل أفضل مما كنا، إنَّ الاعتماد بداية لا نهاية لها، فحين يعلن القرار يبدأ المشوار الحقيقي..الذي نريد من خلاله أن نجعل من هذه الكلية منارة تربوية في المنطقة، تقود التغيير التربوي لا أن تكتفي بأن تكون رجع الصدى له، وكما يقول الشاعر الألماني جوته: "لا تحتاج لتجول في العالم كله كي تعرف أن السماء زرقاء"، وأنا أقول لا تحتاج لتجول المنطقة كلها لتعرف أن كلية التربية بجامعة السلطان قابوس هي الأفضل في المنطقة، وأنها حين تُعتمد عالميًّا في هذا الأسبوع فذلك هو خير دليل على ذلك.

تعليق عبر الفيس بوك