السودان.. أرض الإمكانيّات والفُرص الواعدة


حمود الطوقي

ما إن تطأ قدمك أرض الخرطوم حتى تتشكل في ذهنك مجموعة من الأسئلة حول هذا القطر العربي الذي ما زال يعيش منذ استقلاله أزمات متلاحقة على الرغم من تمتعه بإمكانيّات هائلة وموارد ضخمة كفيلة بأن تحقق الأمن الغذائي العربي..

نعم.. هذه هي الخرطوم التي أزورها لأول مرة، ملبيًا دعوة اتحاد الصحفيين العرب لأتعرف من قرب على هذا القطر العربي الشقيق والذي حباه الله عز وجل بخيرات كثيرة لا تُعد ولا تُحصى.
من نافدة شرفتي التي تطل على النيل الأزرق أتأمل الطبيعة الغضة والمياه العذبة المُتدفقة بلا انقطاع.. مياه نقية صافية لا تحتاج إلى معالجة أو تحلية.. هنا سألت نفسي وتساءلت عن ولماذا يعاني هذا القطر من معضلة الاكتفاء الذاتي في الغذاء، فبحسب ما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام المختلفة؛ بأنّ الخرطوم ما زالت تستورد غذاءها من مصر وجنوب إفريقيا ودول قريبة منها، وحتى من الصين وأمريكا.
كررت على نفسي ذات السؤال: كيف يمكن أن يكون السودان هذا البلد الشقيق سلّة الغذاء العالمي؟
فجاءت الإجابة سريعة فاستنادًا على شواهد واقعيّة ومعروفة أنّ من الممكن تحقيق ذلك، فمن هنا يتدفّق النيل الأزرق، وعلى مرمى حجر منه هناك النيل الأبيض الذي يلتقيه في منطقة "المقرن" بالعاصمة الخرطوم.. يلتقي النيلان ليشكلا لوحة باهرة وبرزخا ظاهرا يفصل بين ماء النهرين من حيث اللون والصفاء وليكوّنا معا نهر النيل العظيم الذي يتجه من الخرطوم شمالا حتى يصل إلى مصر التي تقوم حياتها عليه..

ولأنّ الحرب الكونية القادمة ستكون حول المياه وبالأخص مياه النيل يدور حاليا صراع جدلي بين الدول الثلاثة السودان ومصر وإثيوبيا حول وعمّا إذا كان سد النهضة الإثيوبي يمثل خطرًا فعلا على دولتي المصب مصر والسودان، وبسبب هذا الصراع من الممكن أن تتعطل عجلة الإنتاج الزراعي والرعوي في هذه الدول..

ومن المفارقات المحزنة أنّ هناك مناطق في السودان تعاني من العطش رغم وجود نهر النيل أكبر نهر في العالم على مرمى حجر.
ولن نكون مبالغين إن قلنا أن السودان قطر قيض الله تعالى له كل مقومات الحياة ليس له وحده فحسب بل لأمته العربية جمعاء.. لذا لا ينبغي لأمتنا العربية أن تخاف من غائلة الجوع في المستقبل نتيجة ارتفاع تكاليف إنتاج الغذاء عالميًا، فالسودان أرض الفرص والإمكانيات موجود بإمكاناته الزراعيّة والرعوية والمائية الهائلة وموارده البشرية التي تحتاج إلى توظيف فقط وتعافٍ سياسي.. علينا أن ندرس ونتدارس كيف لنا أن نحول الواقع الذي لا يصدّق إلى واقع منطقي وعلمي.
كيف يمكن أن نستفيد من الأراضي الزراعية الشاسعة المهيئة للاستثمار الزراعي ليكون السودان فعلا سلة الغذاء العالمي حقيقة وليس مجرد شعارات.
من المفترض أن تعي أولا الحكومة السودانية هذه الحقيقة وأن تضع استراتيجيّة استثماريّة تتيح لها الاستفادة من الأموال العربية، في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني عبر رساميل مالية مضمونة العائد؛ حتى يكون السودان واجهة مهمّة لجذب المدخرات العربية..
وأن تزيد الخرطوم من وتيرة الترويج لما تمتلكه من إمكانيات وفرص واعدة لا تقف عند حدود الزراعة فقط بل تتعداه للاستثمار في موارد أخرى يزخر بها هذا البلد الشقيق كالاستثمار في معادن الذهب والفضة واليورانيوم والنفط حيث تشير الدراسات والخرائط الأرضيّة إلى وجود كم هائل من هذه المعادن والاحتياطات النفطية التي تحتاج إلى مستثمر يخرجها من باطن الأرض.

علاوة على نوعية فرص الاستثمار التي ذكرتها أعلاه؛ تتوافر في السودان أيضًا فرص الاستثمار السياحي؛ فالسودان بلد يتمتّع بمقوّمات سياحيّة صخمة من حيث السياحة التاريخية والسياحة الدينية والسياحة الصحراوية وسياحة القنص والصيد.
اعتقد أيضًا يجب علينا أن نوجه الدعوة للسلطنة من خلال الصندوق السيادي أن تبحث عن موطئ قدم للصندوق لضخ جزء من استثماراته في السودان؛ ولن تكون هناك صعوبة في ذلك فالعلاقات بين البلدين الشقيقين راسخة وقديمة جدًا. حيث يمكن للسلطنة أن تستفيد من هذا القطر عبر الاستثمار في مجال الزراعة والثروة السمكيّة، وقد نما إلى علمي أنّ الحكومة السودانيّة منحت السلطنة أرضًا شاسعة تقدر بنحو ٦٥ ألف كيلومتر مربع، وهي كفيلة بأن ترسم للسلطنة خارطة طريق واضحة للاستثمار الجاد في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني.
إن الحديث عن السودان يطول، وهو حديث ذو شجون.. وقد كانت الزيارة سانحة جميلة أتاحت لي فرصة الإطلال عليكم من الخرطوم أرض النيلين والحضارات القديمة.

تعليق عبر الفيس بوك