الدرس الأمريكي في التسامح

ليلى البلوشي

لفت نظري عبارة قرأتها لنائب الرئيس السابق لاتحاد الأمريكيين متعددي الأجناس المدعو إدوين سي.داردين، وهو يصف المجتمع الأمريكي: "هناك قفزة كبيرة للأمام في درجة التسامح والانفتاح في المجتمع الأمريكي؛ فهناك رغبة قوية لدى الشباب الأمريكي من الجنسين للتغلب على الصعوبات التي كانت تواجه أسلافه في تكوين علاقة عاطفية، أو الاقتران بأفراد ينتمون إلى عرقية أخرى وإنجاب أطفال بصورة غير مسبوقة".

في وقت كانت فيه قضايا كالطائفية والقبلية والعنصرية بكافة وجوهها وممارساتها قضايا غربية بالأخص صناعة أمريكية، والجميع يذكر مدى سياسات الإجحاف والظلم والاستبداد التي تعرض لها أصحاب الجلود السوداء في حقبة من الزمن الأمريكي الأسود، ولولا أصوات جسورة لما انقشع يوما ظلم ذاك التاريخ المظلم كصرخة مالكوم إكس، التي أثَّرت أيما تأثير في مسيرة تاريخ السود، ولعل الفضل يعود إليه وإلى كل المتمردين السود بشكل غير مباشر إلى تزعم باراك أوباما رئاسة أمريكا اليوم!

لكنَّ أمريكا والأمريكيين لعل أهم ما يتصفون به هو قهر الماضي العتيد واعتباره ماضيا فحسب لا أطلالا للنواح، الأمريكيون الذين يتجاوزون الماضي لأن حاضرهم فعَّال، حاضرهم ينجز، قابل للتغيُّر والتطور؛ لذا الماضي هنا يفقد بريقه ويتلاشى في ظل حاضر يستحدث نفسه، أمريكا كبلد جديرة بعالميتها باستحقاق تام؛ لأنها أرض الفرص، وبين ليلة وضحاها تتغير حياة الإنسان، تكاد تكون فاصلا ما بين ماضيه الذي هجره وحاضره الذي أصبح فيه بوضع جديد، أرض يمارس عليها الإنسان حريته كما أقرت قوانينهم، لعل من أهم ما يمثلها كبلد هي أن قوانينهم سارية على الجميع حتى على الرئيس نفسه الذي هو بمثابة موظف يؤدي وظيفته خلال فترة ترشيحه ومن ثم يرحل ويمارس بعدها حياته كمواطن عادي، تجاوز ماضيه كرئيس، وأصبح فردا من الشعب أعلن ولاءه للرئيس الذي رشحه بصوته.

بينما في الدول العربية والإسلامية لم يتجاوز الإنسان العربي أزماته الجاهلية، لا تزال تشكل قضية زواج إنسان قبلي من قبيلة أخرى قضية تمس شرف القبيلة ومكانتها، لم نتجاوز بعد مسألة أن تتزوج الفتاة من رجل ملون أو أصول مختلفة، بل إن زواج اثنين من مذهبين مختلفين صار أمراً مستهجنا في ظل مجتمع محتقن بالطائفية العمياء، لم نتجاوز بعد قضايا اجتماعية كبيرة للغاية، وهي إلى اليوم تشغل عقول مجتمعاتنا التي تعيش نماءها الاقتصادي بتسارع هائل، لكنها في الوقت نفسه لا تزال رهينة تقاليدها الاجتماعية، ولا تزال تقدِّس عاهات اجتماعية تعرف باسم عادات عفا عليها الدهر وشبع!

فالعبدُ الأسود الذي أعتقه الاسلام لم تعتقه القبائل حتى وقتنا الراهن، ماضيه لا يزال يلاحقه بمنتهى العنصرية المقيتة، بينما تجاوز الزنجي الأمريكي ماضيه تماما، وأصبح مواطنا كامل الحقوق، حتى إنَّ المجتمع الأمريكي يتقبل زواجه من امرأة بيضاء بل يرون ارتباطهم أمرا مثيرا للاهتمام والإعجاب، إنها أقوام لا تناقض نفسها، إنهم يمارسون التسامح المطلق، هؤلاء الكفار كما يطلقون عليهم، ونفتقده نحن المسلمين في مجتمعاتنا العربية، رغم أن الإسلام حين جاء تجاوز هذه الأمور وحسمها غير أنها لم تحسم بعد في صدور أفرادها.

علينا أن نتعلم من الدرس الأمريكي، من المجتمع الأمريكي، من الفرد الأمريكي، رغم تجاوزات رؤسائهم وسياسات هذه الدولة التي لا يمكن نسيانها؛ فالعرب لا ينسون الماضي ونواحهم الخالد عليه، لكن كلمة الحق التي يجب أن تعلن أن المجتمع الأمريكي هو مثال حقيقي للتسامح وتجاوز عقد الماضي وعاداته البالية التي تسيء للإنسان والإنسانية، بل تسيء أيضا للإسلام الذي جاء بريئا من جاهليتنا نحن العرب!

Ghima333@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك