خارطة طريق لتقاعد مريح!!

إبتهاج المسكريَّة

هذا المقال للذين يفكرون جديًّا في التقاعد من الحياة العملية، قبل أن يصلوا إلى سنِّ التقاعد أو (استراحة المحارب) كما يحلو للبعض تسميتها؛ أما المأخوذون بجمالها الموهوبون في ضبط رقصتهم على إيقاعها، فنعتذر منكم، فأنتم في الجغرافيا الخاطئة.

هل فكرَّت يوما بالانسحاب من هذا العالم، تشحن أمتعتك المرصوفة على مكتبك المطل عليهم، تعبِّئ استقالتك دون ذكر أسباب، وتزجها في وجهه -العالم- مُخلِّفا له ظهرك المقوَّس إثر حمولة زائدة، والذي أعددته ليكون مشروعَ سهم يلج هدفا لا تعرفه، أو انسحابا جزئيا إن كنت لا تقوى على القطيعة الأبدية، لترمِّم فيه نفسك وشخصك، تصغي لصوتك، تحاول أن تفصل كلَّ الكيانات المنصهرة بك على مدى عُمر كصخر رسوبي لا انتماء أحادي له، وتعود أنت كما تعرفك كما تتذكرك كما التقيت نفسك أول مرة مُصادفة في مكان ما، أو ربما لم تحظَ بلقياها ولم تتكبَّد مشقة البحث، وتركتها للمشيئة الربانية لأنك مليء بالصخب لا وقت لديك لسماع نداءاتك الداخلية، تتخلَّى لبُرهة من الزمان عن دورك كجرذ ينقب في نفاية العالم وتتركها لكل الزبالين المتطوعين، فتقاطع نشرة الأخبار وبرامج التواصل بشتى أطيافها وأهدافها لتحويلك إلى روبوت تحت سطوة تيار بعينه، وتعلن عن حالة طوارئ وتمنع كل التأشيرات إليك، وتغلق على جسدك بزجاج عازل للصوت، وتنأى عن البهرجة الزائفة.. ترقُب الوقت وهو يمرُّ.. تعد معه: واحد.. اثنان.. ثلاثة... ستون، تصيح "مرَّت دقيقة، شاهدت الثواني صافحتها قبلتها"، فتتحول مهمتك تدريجيا من موثق لتاريخك غير المهم إلى محض شاهد قد يكون "ماشافش حاجة" ريثما تعود أشياؤك الى استبدادها بك.

في هذا الفاصل من الحياة، اخْلَع أقنعتك واحدا تلو الآخر، هز جسدك بعنف ليسقط الذين استوطنوا كاهلك ويسقط معهم عرشهم، تنفَّس بعُمق، مهلا ليس بهذا الشكل، ببطء أكبر كأنك تنتقي الهواء ازفره بمهل شديد، كأنك خارج أجندة الموت، مفصول من الكون، خذ رشفة ماء.. ابقها في فمك على طريقة زوربا أطول وقت ممكن حدَّ تكون الطحلب في فمك إن استطعت، ابلعها اشعر باكتساء صحرائك مروجا.

اقتلع من مفكرتك كلَّ الأشياء التي خلتها مهمة ذات مرحلة، ولم تخلف فيك سوى المزيد من الشبق، المزيد من الديناصور المضاد للانقراض الذي لا يشبع، سجل فيها عوضا-أي مفكرتك- السماء اليوم أكثر زرقة من الأمس، وعلى شرفتي تفتحت ياسمينة صباح اليوم، واترك ملاحظة: "الديك لم يصدح بصوته فجر اليوم، سأتفقده فور عودتي المنزل".

تعليق عبر الفيس بوك