الأثر السلبي للتعليم والتدريب على ترتيب السلطنة في تقرير التنافسية العالمية

خالد الجرداني

ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ هُناك من سبقوني في النظر والتمعُّن في تقرير التنافسية العالمية 2014-2015م، ولكن لعلَّ نظرتي التربوية المتفحصة المدموجة بخبراتي البحثية المتعددة قد تجد جديدا، وفي هذا المقال لن يتم التطرُّق لمقارنات بدول أخرى؛ حيث سيتم التركيز على نتائج السلطنة بشكل عام وعلى النتائج في مجال التعليم بشكل خاص، والبحث في مدى تأثيره على نتائج السلطنة وترتيبها بشكل عام.

حيث توضِّح نتائج تقرير التنافسية العالمية 2014-2015م تراجعا ملحوظا للسلطنة في الترتيب بنزولها 13 مرتبة عن السنة الماضية و14 مرتبة عن السنة التي قبلها؛ حيث يُمكن ملاحظة التراجع في كل المجالات مع عدم إغفال بعض الملاحظات على التقرير نفسه. وبالرغم من ذلك، يبقى تقرير التنافسية العالمية إحدى الوسائل المهمة لمعرفة ما يدور في معظم الدول في المجالات التي يُغطيها، والجدير بالذكر أنَّ التقرير يشمل 144 دولة في هذا العام (2015م)، وتأتي السلطنة في المرتبة الـ46 من بين هذه الدول في المستوى العام. وإذا ما تمَّت دراسة هذا الرقم من أجل النظر والتمعن فيما أثر سلبًا على انخفاض المستوى العام، فكل عنصر أو معيار يصنف برقم أعلى، أي بترتيب أعلى أثَر بشكل سلبي على الترتيب العام للبلد ومن بينها قطاع التعليم، ولا عجب ولا استغراب إذا ما تم القول بأن كل ما يتعلق بالتعليم بمختلف أنواعه تظهر فيه السلطنة بمرتبة متدنية؛ وبالتالي تأثيرها سلبي للغاية للأسف الشديد على المستوى العام للسلطنة.

وبالنظر للعناصر العامَّة لتقرير التنافسية العالمية يأتي ترتيب السلطنة في مجال الصحة والتعليم الأساسي بالمرتبة 54، وكان من الممكن أن تكون في مرتبة أدنى فيما لو كان التعليم الابتدائي منفردا دون الصحة -سيتم التوضيح لاحقًا في المقال- ويأتي ترتيب السلطنة في مجال التعليم العالي والتدريب بالمرتبة الأخيرة من بين العناصر التي شملها التقييم؛ حيث إنها جاءت بالمرتبة الـ79 من بين 144 دولة، بمعنى أن ترتيب السلطنة في هذا العنصر بالتحديد هو الأسوأ مقارنة بالعناصر الأخرى التي شملها تقرير التنافسية العالمية للسلطنة. واستنادًا إلى ما سبق يمكن ملاحظة أن عنصري الصحة والتعليم الابتدائي والتعليم العالي والتدريب حصلا على ترتيب متدنٍ ممَّا أثر سلبًا -وبشكل واضح- على الترتيب العام للسلطنة.

إذا ما تمَّ التركيز في العمود الخاص بالصحة والتعليم الأساسي، سنجد أن مؤشر جودة التعليم الأساسي يتذيل الترتيب الـ73 بعد وضع المؤشرات مرتبة حسب مستوى السلطنة في كل منها، وهذا يعطي انطباعا ليس بالجيد عن التعليم الأساسي بالسلطنة؛ حيث إنَّ هذا الترتيب تم مقارنته مع 144 دولة، وبالتالي يجب على جميع المختصين والمسؤولين في قطاع التعليم التحرك للبحث في نتائج هذا التقرير وغيرها وإعادة النظر لمحاولة التطوير في القطاع المدرسي.

ففي السابق، كانت السلطنة تفخر بنسب الالتحاق بالتعليم الأساسي ووصولها إلى معدلات عالية، أما الآن فمن الظاهر أننا توقفنا عند ما وصلنا إليه، حيث إن ترتيب السلطنة 52 وهو لا يزال سيئا مقارنة بالترتيب العام للسلطنة (46)، حيث وصلت السلطنة إلى ما نسبته 96.3% من الملتحقين بالتعليم الأساسي. والسؤال: أين هي النسبة المتبقية 3.7%؟. هذا السؤال وغيره من الأسئلة التي يجب أن تُطرح ويتم معالجتها وإجراء عمليات تحسين مستمر لآلية العمل فيها.

وفي عمود التعليم العالي والتدريب كلُّ المؤشرات تتجه الى وضع السلطنة في ترتيب متدن للغاية، ولعلَّ هذا العنصر هو من أسوأ العناصر المؤثرة في تدني ترتيب السلطنة وهو أمر مُحزن إذا ما أقررنا بالاهتمام الحكومي الكبير بالتعليم سواء كان التعليم المدرسي أو التعليم الجامعي.

وهذا يعني أنَّ العمود بكل مؤشراته أثر سلبًا على المستوى العام لتقرير التنافسية العالمية 2014-2015م متضمنًا مستوى التحاق أبناء السلطنة بالتعليم ما بعد الأساسي والجامعي؛ مما أدى لرسم علامات استفهام كبيرة. والسؤال المهم: إلى أين يتجه أبناؤنا في سن مبكرة جدًا؟ والبحث في سبل جعل التعليم المدرسي والجامعي جاذب لهم.

الأمر الآخر هو ظهور مسألة ضعف الشبكات في المدارس والذي أخذ الترتيب 60 من بين العناصر الآخرى، وهو أيضًا أمر محرج إلى حد كبير. وهنا أمتنع عن المقارنة مع الدول الأخرى بناءً على ما ألزمت به نفسي صدر المقال، ولكن مقارنتها بالترتيب العام لهذا العنصر هو أقل بكثير.

أما إذا ما تم التركيز على جودة نظام التعليم، فإنَّ السلطنة تقع في الترتيب 81، وهو ترتيب متدن للغاية حسب ما أرى؛ حيث هناك حاجة ضرورية للتوجه إلى تجويد التعليم ونظامه في كل من التعليم المدرسي والتعليم الجامعي، وهذه الجودة من المهم أن تشمل تطويرًا أفضل ومستمرًا يراعي مراجعة الأنظمة والممارسات وتطويرها والبعد عن مبدأ الاستمرار غير المنظم.

وفي مقال سابق لي حول استقالتي من وزارة التربية والتعليم (https://khalidjardani.wordpress.com/) ذكرت بوضوح الضعف الواضح في تشجيع البحث العلمي، وكذلك استثمار واستخدام البحوث الموجودة وتجريب نتائجها في الواقع، فلا استغراب من عدم وجود خدمات البحث والتدريب بالشكل الكافي؛ مما أثر بشكل واضح على الابتكار العلمي والاكاديمي كما هو واضح في تقرير التنافسية العالمية، ويُمكن التأكيد على ذلك بوجود السلطنة في المرتبة الـ94 في خدمات البحث والتدريب.

أما بالنسبة لمجيء جودة تعليم العلوم والرياضيات في المرتبة الـ95، فهو أمر مُخجل للغاية، وقد ظهر هذا بوضوح في الامتحانات الدولية، ويُعدُّ من المواضيع التي لا يُمكن تجاهلها أو محاولة التقليل من أهميتها، أو حتى التقليل من أهمية الاستفادة من هذه التقارير أو الامتحانات الدولية، بل على العكس من ذلك؛ فهي فرصة جيدة للمراجعة والتطوير والبحث في كل العناصر من منهاج جيد سهل التطبيق والتطوير، ومعلم مُدرب وحاصل على دعم معنوي ومادي كاف ومستمر، ومواد لازمه للتطبيق، وبيئة تعليمية جاذبة.

ومن الملاحظ أنَّ أسوأ مُؤشر في مجموع المؤشرات هو جودة إدارة المدرس، وهو أمر صعب للغاية في استعراضه وتقبله، فإن كانت هناك إشكاليات في إدارة المدارس وممارساتها وسبل تطويرها ودعمها فمن الصعب التطوير، ولكن يبقى إعادة النظر والبحث في إدارة المدارس والكليات أمر يمكن العمل عليه.

وفي الختام، يُمكن الجمع بأنَّ كلَّ ما يتعلق بالتعليم بنوعيه -المدرسي والجامعي- وكذلك التدريب والجودة، قد أثرت سلبا في إبعاد السلطنة عن أي ترتيب جيد في تقرير التنافسية العالمية؛ وبالتالي الحاجة إلى إعادة النظر في كلِّ العناصر، والبحث فيها من أجل مستقبل أفضل لبلدنا الغالي عمان.

تعليق عبر الفيس بوك