تفجيرات باريس تدعم النظام السوري!

عبد الله العليان *

ما جرى في الأسبوع المنصرم بالعاصمة الفرنسية باريس، من قيام مجموعة من تنظيم داعش بقتل ما يزيد على مائة وعشرين شخصاً، من الفرنسيين الآمنين والأبرياء في المطاعم والمقاهي الباريسية، هو أكبر داعم لنظام بشار الأسد، ومساندة لبقائه في الحكم وليس العكس، وإلا لماذا يذهبون لفرنسا، ويقتلون الأبرياء دون مبررات مقبولة ، أو معقولة، ولا سبب قد يُفسر لهذا جاء هذا الاعتداء الآثم على أناس ليس لهم ذنب أو دور في السياسات التي تقررها حكومات دولهم، بل بالعكس أن الحكومة الفرنسية، من الدول المُتشددة في موضوع رحيل بشار الأسد من الحكم، وهذا ليس خافيًا، بل هو معروف سياسياً وإعلاميًا.. إلى جانب أنّ هذه الأفعال العدمية والعبثية، لايقرها دين أو خلق، لأنها تخالف أبسط مبادئ القيم الإسلامية، وحتى في الحروب العدوانية التي تقوم بها دول أو أمم أخرى، فضلاً عن أنّه لا يجوز في الإسلام الاعتداء على الآمنين، من غير المحاربين، وهذا معروف في الأدبيات الإسلامية، ومن كل المدارس الفقهية،.

والحقيقة أنّ الكثيرين في حيرة من هذه التوحش والانتقام من الأبرياء والآمنين، وهذا ما يُبرز أن التطرف والإرهاب والغلو، أعمى البصر والبصيرة، وهذا ماسيعجل بنهايته، لأنّ الفعل نفسه مرعب وخطير على الاستقرار، وقد أصاب المسلمين أنفسهم، في المساجد والأماكن العامة في أكثر من بلد عربي، فالفكر التكفيري، هو ضد الجميع، لمجرد أنّهم يختلفون عنه فكريًا، لكن هذا الفعل مساند للنظام السوري، ومع أنّهم يدَّعون أنهم يقاتلون لإسقاط النظام السوري، لكن هذا العمل الذي جرى في فرنسا، يدعم هذا النظام الذين يدعون أنهم يريدون إسقاطه! فهذه الأفعال هنا وهناك قتلا وتفجيراً، تجعل الجميع يقف وقفة موحدة لقتالهم، وليس السعي لإسقاط نظام بشار! وهذا للأسف نتاج الفكر التكفيري الذي يؤسس للقتل والتفجير وإشاعة الرعب دون هدف، وليس من الإسلام قتل الآمنين، ومثل هذه الأحداث تسبب للمسلمين في الغرب وغير الغرب، الكثير من المتاعب والمشاكل، وربما أشياء أخرى، قد تخلق للمسلمين في دول كثيرة المطاردة والتقليص من أنشطتهم الخيرية للكثير من الأسر التي تحتاج للمساعدة في كثير من دول العالم، وما خفي ربما سيكون أعظم!.

ويقول الشيخ حسين الخشن في كتابه (الإسلام والعنف)، في شأن تفسير ظاهرة التكفير التي تفضي للتطرف والعنف،إنّ للتكفير أسباباً متعددة، منها ما هو ديني، ومنها ما هو نفسي، ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو اقتصادي أو سياسي، وقد تتداخل هذه الأسباب وتفرز شخصيات تكفيرية صدامية، وليس من الصحيح إرجاع هذه الظاهرة إلى سبب بعينه، لأنّ في ذلك مجافاة للحقيقة والواقع، كما أنّه عدّد ما يمكن اعتباره أسباباً فكرية وثقافية لأنها أم الأسباب وأساس الداء.

كان الجهل على الدوام واحداً من أهم العوامل وراء انتشار العداوة والبغضاء بين بني البشر، لأنّ النّاس أعداء ما جهلوا، ولذا من الطبيعي أن تكون قلة المعرفة بتعاليم الدين وقيمه والنظرة السطحية إليه، من أسباب نشوء وانتشار ظاهرة التكفير، وهذا ما يجعل صفة الجهالة أو السطحية من السمات الملازمة للحركات التكفيرية.إن الجهل ـ كما قال بأبعاد الدين ومقاصده مدعاة إلى الانغلاق، والانغلاق مدعاة إلى الصدام والتكفير، ومن جوامع كلمات الإمام علي رضي الله عنه في هذا الشأن قوله: "لا ترى الجاهل إلا مفرطاً أو مفرّطًا".

ومشكلة السفه الفكري الذي أصيب به الكثيرون من أتباع الأديان السماوية، مشكلة قديمة ومستعصية وبالغة الخطورة، لأنّها ساهمت في تكوين فئة قشرية تعيش على السطح، وتتقن قراءة السطور ولكنها لا تتقن قراءة ما بين السطور ولا فهم المعنى ولا تجتهد بما فيه صلاح النّاس، ولذا غدا الدين عندها انغلاقاً على الذات، بدل أن يكون انفتاحاً على الآخر، ويُمثل قوالب وقشوراً فارغة من كل مضمون، والحديث عن الدين عندها هو حديث عن القيود التي تُكبل الأيدي، والسياط التي تجلد الظهور، والسيوف التي تقطع الرقاب، مع أن رحابة الدين وسماحته ويسره وإنسانيته بادية في كل تعاليمه ومفاهيمه ونصوصه ومسفرة لذي عينين، إلا أنّ مشكلة هذه الفئة تكمن في سُبات العقل، الذي استعاذ منه الإمام علي رضي الله عنه، عندما قال :"نعوذ بالله من سُبات العقل وقبح الزلل".إن التكفيريين - في الغالب - ينظرون إلى الآخر بمنظار قاتم، وعدسة سوداء يتحكم بها سوء الظن، ولهذا فإنّ الآخر عندهم أسود قاتم باستمرار، لا يملك من الحق شيئاً وليس عند نقطة ضوء أو إثارة من هدى، ولو أنّهم شاهدوا إنساناً مسلماً على غير مذهبهم يؤدي فعلاً عبادياً معيناً له محمل صحيح ومقبول في دين الله، وله أيضاً محمل فاسد - كالسجود أمام ولي من الأولياء الذي يحتمل أن يكون سجوداً لله أو يكون سجوداً لهذا الولي - فإنّهم يسارعون إلى توجيه الاتهام إليه وحمله على المحمل الفاسد، فيكفرونه ويرمونه بالشرك أو الإلحاد، وإذا رأوه يقوم بعمل يحتمل الحلية ويحتمل الحرمة - كمن يتناول الطعام أو الماء في شهر رمضان ويحتمل أن يكون متعمداً للإفطار أو معذوراً في ذلك لمرض أو سفر - فإنّهم يحملونه على الأسوأ ويحكمون بعصيانه وفسقه، وإذا تفوَّه بكلمة تحتمل معنى صحيحاً وآخر باطلاً حاكموه على أساس المعنى الباطل، ضاربين بذلك كل التعاليم الإسلامية الداعية إلى حسن الظن وحمله إلى الأحسن وتصديق قوله وأخذه بالظواهر، دون النوايا والسرائر التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، ومحاولة التماس عذر له، عملاً بقول رسول الله (ص):"اطلب لأخيك عذراً فإن لم تجد له عذراً فالتمس له عذراً".

ولا شك أنّ هذا التكفير والتطرف والعنف يحتاج إلى تحرك كبير على كل المستويات، لأنّ الحلول العسكرية والأمنية، لم تستطع القضاء عليه، فهناك ربما أسباب سياسية واجتماعية وفكرية تقود لهذا التطرف، ولذلك لابد أن تكون الحلول والمواجهة لهذا الفكر المتطرف متوازية مع بعض، فالكثير من الأنظمة ساهمت في تمدده بسياساتها القمعية والإقصائية. والتطرف والتكفير يقتات على هذه الأوضاع، ويستفيد من حشد الأنصار والأتباع بسبب بعض الأخطاء، ولهذا نلاحظ أنّ التطرف والغلو يزداد، ويتوسع، لذلك لابد من المواجهة السياسية والفكرية، والبحث عن الأسباب العميقة لهذه الظاهرة الخطيرة، والحلول العسكرية، تكون مؤقتة كما برز في السنوات الماضية، وليست حاسمة في القضاء عليه.

*كاتب وباحث عماني

تعليق عبر الفيس بوك