درس في الكراهية!

ليلى البلوشي

لعل من أسوأ ما يحدُث للإنسان في هذا العالم هو أن يكره، أن يضّخ في شرايينه مشاعر كريهة تجاه كل من لا يحبه أو يؤذيه، تجاه كل من يحاول النيل منه أو القضاء عليه، تجاه كل من لا يتقبّله أو ينكر اختلافه عنه رأيًا أو شكلاً أو ديناً أو جنساً، أو لمجرد الكراهية فحسب، كيفما كانت الدوافع، فإنّ إحساسك بثقّل الكراهية في روحك هو أسوأ ما يحدث لك حقًا!

فالكراهية هي انفعال مؤذٍ، لأنّها كذلك، فهي تؤذيك، تؤذي قلبك، تؤذي عقلك، تسمّم روحك وجسدك وجلّ أعضائك الحيوية تكون رهينة في ظل الكراهية التي تقوم بتغذيتها رويدًا رويدا رويدا حتى تفجعك يوما مدى ثقلها، وحجمها، وقبضها كجمرة حارقة على حياتك.

وفي باب الكراهية يذكر أن معلمة مدرسة طلبت من كل طفل أن يحضر معه كيساً في جوفه عدد من ثمار البطاطس بعدد الأشخاص الذين يشعرون تجاههم بالكراهية، ثم طلبت منهم وسط دهشة الأطفال أن يطلقوا على كل ثمرة من ثمار البطاطس اسم الشخص الذي يبغضونه، وفي اليوم الموعود أحضر كل طفل كيس البطاطس مرسومة بأسماء الأشخاص الذين يكرهونهم، وكانت أعدادها متفاوتة في أكياس الصغار، فمنهم من حمل ثمرة واحدة ومنهم من حمل ثلاثة وآخرون حملوا أكثر من سبعة تبعاً للأشخاص الذين يبادلونهم الكراهية!

وبعد خطوة كتابة الأسماء أخبرتهم المعلمة بشروط اللعبة، وهي أن يحمل كل طفل كيس البطاطس معه أينما ذهب لمدة أسبوع واحد فقط، بمرور الأيام أحسّ الأطفال برائحة كريهة تنبعث من كيس البطاطس، وكان عليهم تحمل الكراهية مع ثقل الكيس أيضًا لاسيما مع أولئك الذين حملوا أعداداً كثيرة من البطاطس!

بعد مرور أسبوع غمر الفرح الأطفال؛ لأنّ اللعبة انتهت، فسألتهم المُعلمة عن شعورهم أثناء حمل كيس البطاطس لمدة أسبوع، فبدأ الأطفال يشتكون الإحباط، والمصاعب التي واجهتم أثناء حمل الكيس الثقيل، والرائحة النتنّة التي صاحبتهم خلال تلك المدة.

بعد هذه التجربة وضحّت لهم المعلمة غرضها من ذلك قائلة بحكمة: "هذا الوضع هو بالضبط ما تحمله من كراهية لشخص ما في قلبك، فالكراهية ستلوّث قلبك وتجعلك تحمل معك هذا الشعور الثقيل حيثما ذهبت، فإذا لم تستطيعوا أن تتحملوا رائحة البطاطس العفنة لمدة أسبوع، فهل تتخيلون ما تحملونه في قلوبكم من كراهية طوال عمركم.؟!"

إنه درس، درس كبير في الكراهية، درس يدعونا بجدية إلى تقبّل منغصات الآخرين ببساطة، فالحياة قصيرة، وفي ظلها علينا أن نكون أشجار زيزفون يحتوي ظلها الوارف كل كائن حيّ، أو أن نكون أشجار نخيل تسّر الناظرين، إنّه درس عظيم يحفزنا على التسامح، وتقبل رأي الآخر، احترام اختلافه عنَّا، درس في الجمال والصحبة والإنسانية.

درس يذكرك باستمرار كم أن الكراهية شعور بغيض!

يسلب منك الحياة التي تستحقها، الحياة التي يجب أن تعيشها، يشغلك عن تأمل الجمال، يُقلب حياتك إلى جحيم، جحيم حقيقي، محقون بسّم الحقد، كما يشوّه روحك وسينعكس ذلك حتماً على وجهك، ولن تعرف الابتسامة طريقها إلى نبضات قلبك، يظل وجهك قبيحاً، وملامحك مكشرة، وإحساساتك متذمرة أبدًا، سيكون تحمُّلك عبئًا على الآخرين الذي سينفرون من محيطك الملوّث، ولعل أكثرها وجعاً حين تنفرّ نفسك منك، توّد لو تخرج من جسدك الثقيل، لو تخلع رأسك المسكون بوساوس لا حد لها، تقتلك في اليوم مئات المرات، فتبدو كجيفة عفنة لا حياة فيها ولا روح. كيان مترهل، معطّل، ساقط ومنفيّ!.

Ghima333@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك