لذا وصلوا لما لم نصل إليه!

زينب بنت محمد الغريبية

قصة الفتى "هومر" في فيلم أكتوبر سكاي "October sky" تبعث الأمل بأنّ من لديه موهبة ويسعى لتحقيقها ويجعلها هدفه وحلمه الذي سيتحدى من أجل الوصول إليه وتحقيقه سوف يصل، عارضه والده الذي كان يرغب أن يكون ولده نسخة منه ويرثه في عمله، إلا أنّ هومر أصرَّ على أن يُتابع اختراع الصواريخ التي كان يعشق العمل بها، اشترك هومر في الصف الثاني عشر في مسابقة وطنية عالمية لتقديم اختراعات لطلبة المدارس لتقديم آخر ما توصلوا إليه من اختراعات، قدّم هومر آخر ما توصل إليه في اختراعه للصواريخ في وقتٍ كان العالم لم يتعرَّف على تطبيق فكرة الصواريخ العابرة للفضاء، عرض هومر لأفضل فكرة وأفضل تفسير علمي لمشروعه، أبهر به كل من زار المعرض أو عمل على تقييم المشاريع المشارِكة، كان هومر يعلم بأنّه سيفوز لأنّه قدّم أفضل فكرة على مستوى تلك الفترة من التقدّم العلمي.

لم تخذله لجنة التحكيم؛ لأنّ التحكيم في تلك الدول يقوم على الموضوعية، ويتجرد من معاني الشخصنة، واستبعاد العمل لأن صاحبه فلانا فلن أسمح له بالصعود حتى لا يزيد في تميزه كما يصير في مجتمعاتنا من شن حرب على المُتميز من منطلق المنافسة، واعتبار المجال الذي يعمل فيه الشخص ساحته لوحده والتي لا يُمكن أن يدخل فيها أحد آخر ويخطف الأضواء منه، دون أن يُفكر ذاك الشخص أنّه بذلك يقوم بظلم قد يُهلكه في يوم من الأيام، وأنّ السوء مهما تأخر نتاجه على صاحبه إلا أنّه سيعود أثره عليه بشكل أو بآخر يوم ما، وفي الوقت نفسه فهو يحتكر ويقلص العلم والإنتاج، فالمجتمعات المتقدمة لم تتقدم في جميع المجالات كافة إلا بالعمل من الجميع، وكثرة العاملين والنابغين في كل مجال، وأخذ كل منهم حقه الذي يستحق حسب جهده وعمله سواء من الناحية المادية أم المعنوية. وعند تحكيم عمل ما فيرون العمل دون النظر إلى الاسم فذلك لا يعنيهم إطلاقاً، عندما تخلصوا من كل تلك التفاهات وصلوا لما وصلوا إليه ونحن لا نزال مكانك سر إن لم يكن طريقك للخلف سر..

فاز هومر في المسابقة لأنّه يستحقها فعلاً، وفي أثناء فوزه وهو يمر بين صفوف المُهنئين لم يعرف حتى أن من هنأه كانوا من كبار الشخصيات فرحين بذاك الشاب الذي توصل لمثل ذلك الاختراع، في تلك اللحظة تلقّى العروض لمنحٍ دراسية في جامعات كبيرة ومعاهد تخصصية في الموضوع ومن شركات لاحتضان عمله، أيُّ تشجيع ذاك الذي حمل ذاك الشاب الصغير ليُطور من إمكاناته، ويستمر في عطائه، حكى الفلم قصة حقيقية صاحبها شخص يعمل اليوم مهندسًا في صناعة الصواريخ في وكالة ناسا، يدرب رائدي الفضاء وقائدي الصواريخ، لو لم يجد تلك الفرص وذاك الاحتضان لما وصل لما وصل إليه اليوم، فعندما عملوا هم بذلك الشكل وصلوا لما وصلوا إليه ونحن لا نزال مكانك سر إن لم يكن طريقك للخلف سر..

منحتني نهاية الفيلم شيئاً من الأمل الملطخ بالأسى، على واقع أنصدم به عندما كلمني سلطان عن وضعه كباحث، وصاحب قلم رصين، بألا مكان مناسب له وسط العالم الذي يعمل به، رغم إصراره على العمل والتميز، ولكنه لا يجد صدى لما يعمل، بل ربما يجد محبطين من باب ألا مكان لك كمتميز لتصعد، فربما تصعد علينا وتتميز علينا، فنحن لا نرغب في التقدم الذي تنشده، إنما ما يهمنا الحفاظ على أماكننا وليمشي العمل كما كان فلا يهم أن ننجز فلن يتغير شيء فلماذا نعمل ونتعب؛ لذا فنحن لا نزال مكانك سر إن لم يكن طريقك للخلف سر.

وتذكرت محمد الذي سعى لتطوير نفسه وذهب لدراسة الدكتوراه في أرقى الجامعات العالمية متكبدًا التكاليف الباهظة على حسابه الخاص، عاد محمد وقد تغيَّر عما ذهب عليه، عاد باحثًا متميزًا، ومعلمًا محترفًا، ولكنه لم يجد سوى الصد وغلق الأبواب، لم تقبل به الجامعات ولا المؤسسات، ألا تريد يا ترى الاستفادة من ذاك الباحث الذي أعد نفسه بنفسه، فبه ستتقدم وستنتج؟! ولكن ربما نحن لا نزال مكانك سر إن لم يكن طريقك للخلف سر.

جالت في خاطري عشرات القصص الحقيقية التي حدثت لي ولمن حولي ممن أعرفهم، إنّما تبرهن على طمر مثل تلك الكفاءات، وعزلها من باب التحاسد والغيرة والخوف من ظهور الغير، والخوف من أن يأخذ أحد مكان أحد، حينها توصلت ليقين أن هومر قد توصل لحلمه وحقق هدفه وأصبح رجلاً مهمًا، وقدم لبلاده الشيء الكثير في المُقابل، ولكن لأنه وجد في مكان لا يعترف إلا بالكفاءة، وحب التقدم، ولا يهم من يكون صاحبه؛ لذا وصلوا لما وصلوا إليه ونحن لا نزال مكانك سر إن لم يكن طريقك للخلف سر.

تعليق عبر الفيس بوك