العرب يحققون مخططات أعدائهم!!

عبيدلي العبيدلي

أكثر الموضوعات التي باتت تستأثر بنسبة عالية من القضايا التي تكتظ بها قنوات التواصل الاجتماعي التي يهتم أصحابها بالشأن السياسي هي "أنشطة قوى التطرف الإسلامي المسلحة، من أمثال تنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة، وحزب الله اللبناني، والأجنحة المتطرفة المنتشرة في أجهزة الدولة الإيرانية، وتنظيم القاعدة... إلخ". قائمة طويلة من أسماء التنظيمات التي تأسست وباتت تشكل ظاهرة تفرض نفسها على مشاهد المسارح العالمية السياسية، قبل العسكرية.

قضايا كثيرة تاهت، وتراجعت، وسط التلاسن الطائفي الذي سيطر على محتوى معالجة تلك الظاهرة وهي:

1. غياب تشخيص الأسباب الحقيقية، وليس الشكلية، أو تلك التي تطفو على السطح والتي تقف وراء هذه الظاهرة. حيث اكتفت وسائط التواصل الاجتماعي بالترويج لأنشطة تلك التنظيمات، في معمعان المعارك التي نشبت بين أطرافها المختلفة، ونسى البعض منها عفويا، وتناسى البعض الآخر منها بوعي وقصد مبيت، الأسباب الجوهرية التي ولدت هذه الظاهرة غير الطبيعية في المجتمعات التي تشق طريق نموها وسط عوامل طبيعية لا تدس القوى الأجنبية الجشعة بأنوفها الجشعة فيها. فحقيقة الأمر أنّ الجهة الأولى المسؤولة عن ولادة ظاهرة العنف التي نشهدها وعلى النحو الذي نراه هي تلك القوى الاستعمارية التي تبدل جلودها، دون أن تغير من مشروعاتها. فالأمر الذي لا يختلف عليه إثنان، أن نسبة التدخل الأجنبي في المنطقة العربية تفوق أية نسبة أخرى في مناطق أخرى من العالم.

2. الدور الذي تمارسه تجارة السلاح في رسم السياسات الخارجية للدول العظمى، وخاصة تلك التي لها مصالح مباشرة في منطقة الشرق الأوسط، فهناك العديد من الدارسات التي تؤكد على هيمنة "صناعة العسكرة والسلاح منذ الحرب العالمية الثانية على السياسة الخارجية للدول الكبرى وبخاصة الأمريكية، وبالتالي على المؤسسات السياسية فيها. فتجارة السلاح تمثل اليوم أهم سلعة دولية وتحتل مركزاً متقدماً للغاية في قائمة أكثر السلع تأثيراً في حركة الاقتصاد العالمي... حتى في الفترات التي لا تخوض أمريكا (بوصف كونها تتقدم قائمة الدول الأكثر تصديرا للسلاح) فيها حروباً مباشرة فإن حجم مبيعاتها من السلاح كبير. فخلال الفترة بين 1993 ـ 1996 وصل حجم مبيعاتها إلى 124 بليون دولار، تبلغ نسبة السماسرة والوسطاء منها 10 في المئة". وهذا يفسر، كما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية كون "الشركات الأمريكية تسيطر على نحو 80% من قائمة الـ 100 شركة الأكثر مبيعًا للسلاح في العالم، وتحتل المرتبة الأولى في قائمة الدول المصدرة، إذ تقدر عمليات نقل الأسلحة التقليدية منها 30% من إجمالي قيمة صادرات الأسلحة في العالم ومن أهم وجهاتها جنوب أفريقيا وأستراليا والإمارات وإسرائيل واليابان".

3. انتشار الشعارات التحررية"، والدواعي الإنسانية"، و"الأهداف المشروعة" التي رافقت، وما تزال ترافق الحروب، أو بالأحرى ظواهر العنف التي انتشرت في المنطقة العربية في الآونة الأخيرة. فتجارة السلاح، لا يمكن أن تنتعش إلا في المناطق التي تنتعش فيها الفوضى، وتملأ سماءها قعقعة السلاح. ولكي تبرر هذه الظاهرة نفسها، يشجع من يندس في صفوفها، وترتبط مصالحه مع مصالح مصانع الأسلحة، ويرفع الشعارات البراقة التي تنشر الفوضى والعنف، كي يبرر كلاهما ارتفاع الأصوات المطالبة بالتسلح، وزيادته، ورفع مستواه بين الأطراف المتصارعة. وكان الأمن لا يستتب، ولا تعود الأمور إلى مجاريها الطبيعية، إلا بعد موجة من العنف والعنف المضاد.

4. العلاقة الوثيقة بين تصدير العنف ونشر "الإرهاب" في مناطق بعيدة كل البعد عن مناطق الدول التي تتبوأ قائمة الدول المصدرة للسلاح في العالم، ففيما تتواصل الحروب المدمرة والمكلفة في منطقة الشرق الأوسط، نرى الدول التي تتولى تزويد المتقاتلين في هذه المنطقة تنعم بالسلام، وتستفيد من انتعاش تجارة السلاح في تغذية عناصر إنقاذ اقتصاداتها المتعثرة، كما هو الحال في أوروبا، بما فيها روسيا والولايات. فليست الصدفة وحدها هي التي تفسر اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، في فترة الكساد الذي عمّ الاقتصادات الغربية، وليس من قبيل المصادفة أن تستمر الحروب في الشرق الأوسط في فترة يعاني فيها الاقتصاد الأمريكي من عثرات بنيوية، تهدد بتراجعه في المرتبة الدولية الثانية بحلول العام 2020، لصالح الاقتصاد الصيني.

5. الحجم الحقيقي المخيف لتجارة السلاح، إذ تجمع كل الدراسات من معاهد متخصصة تتابع ظاهرة التسلح العالمية على أن "كل الأرقام التي أطلقت لتحديد حجم تجارة الأسلحة هي أرقام تقديرية لعدم وجود معلومات دقيقة، لكن أغلب التقديرات الموثوق منها تجمع على إنفاق سنوي يتأرجح ما بين التريليون ونصف والاثنين تريليون دولار، وهو رقم بجانبه اثنا عشر صفرًا ويساوي تقريبًا 3% من كامل الناتج المحلي العالمي، والرقم الموثق لـ 2013 هو 1.75 تريليون دولار، كدلالة قاطعة على أنها التجارة الأقوى عالميًا متخطية تجارة المخدرات صاحبة المركز الثاني".

6. الشراكات التي بات يبنيها الكيان الصهيوني، وهو أهم أسباب انتشار ظاهرة العنف والإرهاب في المنطقة من أجل تطوير آلة الحرب التي بحوزته، ففي نطاق "زيادة صادراته الحربية يعمد الكيان الصهيوني إلى إقامة شراكات مع الصناعات الحربية في دول أخرى لتسهيل عقد الصفقات، إما مع تلك الدول أو مع دول صديقة لها. وقد أنشأ الكيان الصهيوني شراكات مع شركات روسية وأوكرانية ورومانية وتشيكية فضلا عن شركات هندية. وتتوقع الصناعات الصهيونية أن تعمد شركات كانت حليفة لها في الماضي إلى التنافس ضدها قريبا".

 

عليه، فمن الطبيعي أن تستمر الحروب الداخلية، وتنتعش ظاهرة "التطرف"، وتزدهر سلوكيات "العنف"، ما لم ينكب العرب، أفرادا ومؤسسات، وقوى سياسية على البحث عن الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء هذه الظاهرة، عوضا عن استمرارهم تبادل الاتهامات، وتواصلهم في الملاسنات التي لن تخدم في نهاية الأمر سوى من له مصلحة حقيقة في استمرار الوضع على النحو الذي هو عليه.

في اختصار نحن نحقق ما يهدف له أعداؤنا، ونسهل المهمة عليهم، ثم نعود يلعن بعضنا الآخر. لقد ضاع الجوهر، وضاع العرب في كل ما هو سواه.

 

تعليق عبر الفيس بوك