اختبار المواطنة!

آمال الهرماسي

قبيل انطلاقي متَّجهة إلى حيث المركز الانتخابي التابعة له للإدلاء بصوتي في انتخابات مجلس الشورى (في فترته)، تذكرت نص الرسالة القصيرة التي وصلتني على هاتفي قبلها بأيام، والتي فحواها: "صَوْتك أمانة"، والتي داعبت بداخلي وترَ المسؤولية الحقيقية تجاه هذا الوطن الغالي وليس واحدا من المرشحين، وظل هذا الإحساس يطاردني حتى وضعت صوتي بصندوق الانتخابات. ولعلَّ تلك الحيرة التي خالجتني كان مبعثها تلك الأحاديث الكثيرة والنقاشات الواسعةوالآراء المتنوعة التي رافقت العملية الانتخابية منذ الإعلان عن موعد التصويت، بشأن أمرنا الذي أردناه شورى وعدلا بيننا.. فاختلف هذا مع ذاك ليتفق مع تلك..وتنافس هذا وذاك من أجل مصلحة عليا فاقت حدود الذات، وتجاوزت بوتقة الأهل والجار والقريب لتحتضن حب الوطن باتساع معانيه وسمو غاياته ومتناهى تطلعاته.

لم يكن يعنينا -لا أنا، ولا الكثير ممن التقيتهم بعد الإدلاء بأصواتنا- المترشح في حد ذاته؛ فالأبواب كانت مفتوحة أمام من رأى في نفسه رغبة وقدرة في القيام بهذا العمل الشوروي، بل كل ما كان يعنينا ذاك الذي يسير ليحسم أمر شوراهببصمة يضعها.. "أمانة" يُسأل عنها، ووطن يُسهم في ازدهاره ونمائه.. وهو ما لمسنا من تفاعل مع العملية الانتخابية التي مرَّت -ولله الحمد- بكل انسيابية وسلاسة، في خطوة حضارية يشهد لها التاريخ، والتي ترجمت مدى وعي الشعب العماني بجسامة ما يُراهن عليه، من منطلق ما تمثله عُمان لنا ولغيرنا؛ كونها أرض السلام وموطن الحكمة وحسن القرار.

... إنَّانتخابات الشورى الأخيرة ترجمت يقينا عُمانيًّا بضرورة مساندة الرؤية والتوجه الحساس لموقع السلطنة على خارطة الدول العربية والعالم بأسره، باعتبار تلك الخطوة أهم اختبار لنا لتحديد مدى استحقاقنا أن نحتضن العالم ونهديه السلام، ونُعلِّمه معنى الحكمة والرقي والوعي والأمانة، وأن نبنيمن أجل غد أفضل ومجتمع أكثر نضجا وديمقراطية.

مرَّ عُرسنا الديمقراطي -ولله الحمد- بسلام، ولم ينل منه بعض القصور في بعض المواد المتعلقة بشروط الترشح، والتي كانت في أجزاء منها "فضفاضة" نوعا ما؛ إذ لم تشترط بنودا تتعلقبالأكثر علما وتعلما أوالأكثر إنجازا وخدمة للمجتمع من حوله،كما لم تشترط مقابلة للحكم على مستوى المترشح في التحدث والإلمام والثقافة والإقناع.. حيث كنا نطمح لنسمع أخبارًا (على سبيل المثال) عن أن عضوًا سيناقش غدا مسؤولين منتقين بعناية من لدن صاحب الجلالة يواجهون تحديات داخلية ويماشون سياسات خارجية، وأن آخر يسعى لأن يرقى بعلمه ومعرفته واطلاعه على أدق القوانين ودقيق الخبايا وأهم المبادئ التي عليها ستسير شؤون الدولة وسياستها وترابط مختلف جهاتها الحكومية والخاصة، وأن آخر سيناقش غدا بالحجة والبرهان ومنطقية التحليل وتحليل الإحصاء وتبرير السؤال وتمحيص الجواب.

... إن المواطنة الحقة تُبنى على الإيثار في مثل هذه القرارات، ليس الإيثار للكبير ولا للشيخ ولا للقريب ولا للجار، وإنما الإيثار للأفضل والأكثر علما، والأبلغ حجة وبرهانا، والأجدر بالتمثيل وشق الطريق نحو ديمقراطية لا نريدها مسقطة ولا مجرد شعار، بل واقع تولَّد عن وعي ونضج ومعاناة صادقة جسدتها محبة وطن خالصة منزهة عن جميع الدنايا.

لقد ترجم العُمانيون في انتخابات الشورى الأخيرة أن "التصويت حقٌّ واجب"؛ في تأكيد عملي على أننا نخطو بالفعل بثبات نحو ترسيخ مبادئ الديمقراطية الحقة. وكما يُقال: "يوم الامتحان يكرم المرء أو يهان"، والحمد لله أُكرمنا، وكانت عملية التصويت مشرِّفة جدًّا، ومبعث فخر لكل عُماني، خصوصا بعدما برهن أبناء السلطنة أنهم بصوتهم لا يختاورن ممثلا بل يختارون وطنا عظيما.. فكلنا راع، وكلنا نسعى لدفع أشرعة سفينة الوطن... "عُمان" الحب والأمن والسلام، عمان الديمقراطية والطموح والحكمة، عمان الحضارة، عمان الأمانة قولا وفعلاوتوجها.

amel-hermessi@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك