"عمان في عيون فنانين فرنسيين" وثيقة مرسومة تستعرض 4 قرون من العلاقات المشتركة

مسقط - العُمانيَّة

يستعرضُ كتاب "عُمان في عيون فنانين فرنسيين من القرن السابع إلى القرن العشرين" -للباحث الفرنسي كزافييه بيغان بيلكوك- جانبا من تاريخ العلاقة بين عُمان وفرنسا؛ إذ يوثق الكتاب ما دونته ورسمته ريشة الفنانيين الفرنسيين خلال ما يزيد على الأربعة قرون، وهو مرجع مهم لفهم طبيعة تلك العلاقة وكيف تشكلت عمان في مخيلة أولئك الرسامين، كما تعكس تلك الصور ملامح المكان العماني الذي لا نكاد نملك عنه أي وثيقة مرسومة.

وصدر الكتابفي العام 1994 عن مطبوعات مؤسسة العلاقة الدولية والثقافية- باريس. ويقع الكتاب في 112 صفحة من القطع الكبير. وكتب مقدمة الكتاب اللواء بحري فرانسوا بيليك مدير متحف البحرية، وجاء بثلاث لغات هي العربية والفرنسية والإنجليزية. وتولى الترجمة إلى العربية منى راسم ميخائيل، بينما ترجم الفرنسي شارل كينسلي-ايفنز إلى الإنجليزية. ويضم الكتاب مقدمة كتبها اللواء فرانسوا بيليك ومقدمة للمؤلف بيلكوك ثم تمهيدا ويتم توزيع الأعمال على واحد وعشرين فصلاً مقسمة بحسب تسلسلها التاريخي لمسار علاقة الفنانيين بعُمان بحيث يضم كل فصل عددًا مختلفا من الاعمال بحسب ما توصل إليه الباحث في كل مرحلة من المراحل.

ويقول اللواء البحري فرانسوا بيليك مدير متحف البحرية عن البحارة إنهم كانوا "بمثابة مراسلين للغرب في أنحاء العالم حينئذ، مستكشفين لبقاع لا تخطر ببال، باحثين عن ما يمكن أن الملاحين كانوا بحارة مميزين ومراقبين أكفاء في آن واحد".

وعن أعمال الرسم والمخططات التي يرسمها البحارة، يقول بيليك: إن الخرائط وعمليات المسح الجغرافي والمناظر الساحلية تمثل جزءا من العالم الروتيني لرجال البحر الذين درجوا على إلقاء نظرة مجتمعهم الشاملة على كل ما هو بعيد من بقاع ورجال وسفن ومشاهد ولصقل هذه القدرة على التقصي والعرض، اصبحت الرحلات الاستكشافية الكبرى، اعتبارا من منتصف القرن الثامن عشر تصطحب معها رسامين كما أخذ العديد من ضباط البحرية وقادة السفن الرحلات الطويلة عبر المحيطات يزينون مذكراتهم الشخصية برسوم لا تخلو من موهبة، ومن هؤلاء على سبيل المثال: أمير جوانفيل، وبيير لوتي، والأدميرال باريس الذين كان الفضول الطبيعي لديهم مكملا للمنهج العلمي ولحسن الحظ فقد تواصل هذا التقليد. وكانت فرنسا أكثر الدول البحرية حرصا على امتلاك الصور، إذ أن ساحلها كان يبعد كثيرا عن فرسايفي زمن أمجادها البحرية، كما كانت موانئهاقد بدأت تعبق بسحر كل ما هو غريب وبعيد، لذلك ومنذ عهد أوزانوبوجيه وفيرنيه وغيرهم من رسامي الملوك، بدأت مهنة رسام البحرية المعتمد تشق طريقها داخل أمة وثيقة الارتباط بالأرض ولكنها في الوقت ذاته شديدة التعلق بالبحر".

وعن كتاب بيلكوك، نجده يشير إلى أن الكتاب: يجمع بكل رقة ما بين الانطباعات الساذجة والصور الخاطفة والأعمال المتكاملة، مسجلا تطور نظرة الرحالة الفرنسيين إلى مسقط وعمان عبر توقفهم عبر العصور. كما يذكر هذا الكتاب أيضا كيف كان وصف وتصور عمان يُقدم عبر تلك القرائن إلى أولئك الذين لعدم سفرهم إليها ارتكنوا في أحلامهم إلى الرسامين والنحاتين. وهو شهادة عرفان مقدمة إلى عُمان من بحارة وفنانين فرنسيين جاءوا من وراء الأفق وأمضوا بضعة أيام في موانئها اللازمنية وأضافوا بعض حبات من الرمال الملونة إلى ساعة أبديتها الرملية).

ويشير المؤلف بيلكوك في مقدمته إلى أن البرتغاليين هم أول من قام بوضع خرائط ورسوم للمحيط الهندي في نهاية القرن الخامس عشر، بعد أن فتحوا الطريق البحري لبلاد الهند، وبعد استقرارهم بها في القرن السادس عشر الميلادي دأبوا على وضع رسوم بيانية للمدن التي استولوا عليها، وهكذا قاموا بتنفيذ رسوم رائعة ولحات مائية وزيتية لا سيما للمدن العمانية مثل مسقط، وقريات، والسيب ومطرح وقلهات وصحار. وهذه الأعمال ذات الطابع التعليمي والجمالي في آن واحد محفوظة بالبرتغال وبعض الدول الأوروبية الأخرى، وهي تثير الدهشة لدقتها والافتتان بها لثرائها وزهاء ألوانها.

ومع وصول القوى الأوروبية المنافسة للبرتغال إلى المحيط الهندي في القرن السابع عشر، ظهرت خرائط ورسوم متنوعة الأنماط، فقد قام الأدميرال التركي بيري ريس برسم خرائط لبحر عمان في لوحات مائية موشاة بالذهب. أما الهولنديون كالرحال جان ستروبز والجغرافي أولفرت دابر، فقد صمموا رسوما تمثل العاصمةالعمانية مسقط بطرق متنوعة، بينما كان بروق للرحال الألماني انغلبرت كامفر تصوير مسقط بطرق مثل جون ماكلوير، ودانمركيون من بينهم الجغرافي كارستن نيبور بعمل رسوم فنية للساحل والمدن العمانية.

ويخلص المؤلف في مقدمته إلى أنه بعد اطلاعه على جودة وتنوع رسوم الرسامين الذين تمت الإشارة إليهم من قبل فإن التساؤل أخذ يلح عليه عن الدور الفرنسي في ذلك فيما يخص هذه البقعة من الأرض على وجه الخصوص. وقد قادته أبحاثه الدقيقة في كل من المكتبة الوطنية ودار المحفوظات الفرنسيتين، وأرشيف وزارة الخارجية الفرنسية ومتحف البحرية والمجموعات الخاصة إلى اكتشاف مجموعة من الأعمال الفرنسية عن عمان:لوحات زيتية، رسوم، لوحات بالألوان المائية، رسوم مائية بدرجات اللون الواحد، نقوش ورسوم تخطيطية.

ويُشار إلى أن الدراسات الثقافية الحديثة تركز على دور الفنون البصرية بشكل عام في رسم صورة الآخر سواء كان فردا أو مجموعة بشرية تعيش في نفس المجتمع الذي تمارس فيه تلك الفنون أو حتى شعوبًا بعيدة كانت أم قريبة من الحدود الوطنية. وقد شغلت اللوحات الفنية التي رسمها الغربيون عن الشرق خلال فترة طويلة اهتمام الباحثين والدارسينمن مختلف الحقول المعرفية. وهناك دراسات كثيرة قدمت في ذلك المجال ومازال الحقل بحاجة إلى مزيد من الجهود. وكانت لحركة التنافس بين القوى الاستعمارية التي ازدادت بعد هزيمة البرتغاليين في عام 1650م دور في ظهور لوحات فنية ترسم الشرق من مختلف الزوايا وكان الهدف بالأساس رسم خرائط ورسومات لأهم المواقع الحيوية من موانئ ومدن بحرية لغرض دراستها والتخطيط للسيطرة عليها. وعمان لم تكن بمعزل عن الأطماع الاستعمارية خلال فترة التنافس التي أخذت تشتد بعد النصف الثاني من القرن السابع عشر حيث اختبرت المدن والنظم لسياسية العمانية التعامل مع تلك القوى من هولندية وفرنسية وبريطانية. واندفعت القوة الفرنسية في تنافس محموم مع القوة البريطانية في المنطقة للسيطرة على موطئ قدم لها على السواحل العمانية.

تعليق عبر الفيس بوك