"قروض الرفاهية".. أعباء مالية تلقي بظلالها على الاستقرار الأسري وتغل يد المقترض في الادخار

◄ المقرشي: إغراءات البنوك تعرِّض المقترض لمشكلات مالية كبيرة

◄ الكلباني: ضرورة دراسة الاحتياجات الفعلية قبل الحصول على القرض

◄ د. أيمن علي: ثقافة الاقتراض من أجل الرفاهية "عادة دخيلة" على المجتمع

◄ السناني: البنوك تحفظ حقوقها من ضياع الأموال المقترضة بضمانات كافية

◄ البادي: اقتراض الرفاهية سوء تصرف ودليل على عدم الرشد ومخالف لتعاليم الدين

أجْمَع مُختصون ومُواطنون على أنَّ قروض الرفاهية تتسبَّب في أعباء مالية تلقي بظلالها على الاستقرار الأسري وتغل يد المتقرض في الادخار للمستقبل.. مشيرين إلى أنَّ اللجوء إلى الاقتراض البنكي ينبغي أن يكون في أضيق الظروف. وقالوا إنَّ القرض يكبِّل المقترض بقسط شهري يظل يسدده لفترات طويلة، لكنه في المقابل يساعد البعض على قضاء حاجته المالية؛ اذ يستفيد من القرض في تدبير متطلباته، غير أنهم حذَّروا الأسر من السقوط في براثن الإغراءات البنكية تحت دعوى الارتقاء بالأوضاع المعيشية.

وحثُّوا الجميع على تبني ثقافة الادخار؛ إذ تساهم في توفير المبالغ المالية عند الحاجة، دون اللجوء إلى الاقتراض، كما أنها تساعد على عدم الإسراف في النفقات غير الضرورية التي ترهق كاهل رب الأسرة.

الرُّؤية - مُحمَّد قنات

وقال سيف بن عبدالله بن سعيد السناني -باحث دكتوراه في القانون الخاص- إنَّ الاقتراضَ من البنوك التجارية وسيلة يلجأ إليها الكثيرون لتحقيق بعض من متطلبات الحياة بما فيها المتطلبات الكمالية، وقليل من يُوظِّف هذه القروض في سدِّ أو التخلُّص من دين، وهي كمن "يستجير من الرمضاء بالنار"؛ حيث نرى الكثيرين ممَّن يتجهون بل يتزاحمون على نوافذ الاقتراض من البنوك، وتتفاوت أسباب طلبات القروض من شخص لآخر وهي فى معظمها مختلفة وغير ملحّة، إلا أن بعض البنوك عمدت على فتح نوافذ إضافية لتحقيق متطلبات الزبائن من القروض؛ منها على سبيل المثال: نوافذ القروض الشخصية، وقروض شراء السيارات، وقروض بناء أو شراء المنازل، وقروض المشاريع التجارية...وما إلى ذلك.

منافسة بنكية

وأضاف بأنَّ البنوك التجارية تتنافس فيما بينها على استقطاب المزيد من العملاء للحصول على تسهيلات متنوعة؛ لنجد أنَّ نسبة كبيرة من المواطنين عليهم قروض من البنوك أكثرها القروض الشخصية؛ وبالتالي فإنَّ البنوك وعلى كثرة طلبات الاقتراض اليومية إلا أنها تحتفظ بضمانات كافية مقابل القرض الممنوح، وبذلك تضمن حقها من الضياع، وقد كفل القانون لهذه البنوك تحصيل ديونها باتباع طرق وإجراءات سهلة وميسرة، سبق وأن أخذتها عن المقترض، وبذلك نجد أن القليل من القروض متعثرة، عدا نسبة بسيطة من القروض الخاصة بالمشاريع.

واعتبر السناني أنَّ الاقتراض من البنوك حل مؤقت لمشكلة نقص المال لدى المقترض؛ الأمر الذي يجعله أسيرا لسداد أقساط شهرية ملزم بها لدى البنك الذي اقترض منه؛ لذلك فإنَّ المشكلة قد تزداد تعقيداً إذا ما تعرضت ميزانية المقترض الشهرية للاختلال؛ باعتبار أنَّ البنك المقترض منه يقوم بخصم جزء لا بأس به من راتب المقترض، مما يجعل ميزانية الشخص المقترض تتأثر بانتقاص ذلك الجزء المقتطع من الراتب الشهري، وسيكون ذلك الجزء المقتطع بالتأكيد على حساب متطلبات ثانوية لأسرة المقترض، وهنا فإن الاقتراض يكون حلاً لمشكلة آنية لكن زاد الأمر تعقيداً على المقترض طوال فترة الاقتراض.

وأوضح أنه بإمكان الشخص تفادي الاقتراض والديون، من خلال تنظيم مصروفاته، وعدم زيادة العبء وتحميل ميزانيته الشهرية مصاريف إضافية، وعدم تقليد الآخرين فيما يخص المتطلبات الكمالية التي يمكن للحياة أن تستمر بدونها؛ الأمر الذي يمكن للشخص تقنين وتنظيم وإدارة مصروفاته بحكمة، ويمكنه من خلال تلك الإدارة من ادخار جزء من دخله الشهري ليعينه على تلبية احتياجاته المستقبلية بدلاً من التوجه للاقتراض الذى يمكن ان يدخله فى مشاكل هو فى غني عنها.

التخطيط المالي

وأشار إلى أنَّ سوء التخطيط المالي فى كثير من الاحيان يدفع بالبعض إلى الاقتراض من البنوك التجارية؛ مما يدخل البعض فى مشكلات مالية أكثر تعقيداً تجعله فى دوامة من المطالبات فى مختلف الاتجاهات؛ لذا فإن ضبط المصروفات بما يتناسب مع الدخل، أمر في غاية الأهمية، فإن الشخص إذا نظر إلى كل شيء وكل منتج وكل إغراء في الأسواق لكانت مصروفاته تتجاوز دخوله الشهري بأضعاف المرات، إلا أن التخطيط المحكم لإدارة المصروفات شيء في غاية الأهمية، وأمر ملح ولا بد منه لكي يصبح الشخص فى خاتمة المطاف أسيراً للديون ومكبلاً بأقساط شهرية لا يستطيع الفكاك منها؛ فالتخطيط السليم في كل مناحي الحياة يؤدي الى نتائج ايجابية ويجعل الانسان يعيش وفقاً لوضعه المادى المتاح.

وزاد بأن ثقافة الادخار تعتبر شيئا مهما وتساعد على إدارة الدخل، لكن هذه الثقافة غائبة، بل مغيبة في المجتمع المحلي؛ لأنَّ من صالح البنوك زيادة معدلات الاقراض لتحقيق أكبر قدر من الربح، ولكن كان يجب على مؤسسات أخرى بث ثقافة الادخار من خلال عدة وسائل وطرق وبرامج مختلفة، تكون تشجيعية أكثر من التشجيع على الاقتراض بإعطاء حد أو سقف أعلى من القرض والحصول على القرض بأسرع وقت...وغيرها من فنون التشجيع على الاقتراض، فلو بثت ثقافة الادخار ومحاولة ضبط المصاريف لقل الاقتراض وزاد الادخار.

سوء تصرف

وقال سالم البادى إنَّ الاقتراضَ من أجل الرفاهية يُمثل سوءَ تصرف ودليلًا على عدم الرشد من قبل المقترض، كما أنه مخالف لتعاليم الدين الذي يحث على القناعة والرضا بما قسم الله، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدوة حسنة وفي أصحابه الكرام -رضي الله عنهم- وأضاف البادي بأنه كما يُقال: "الديْن هم بالليل وذل بالنهار"؛ حيث إنَّ شيوع ثقافة الاستهلاك والتفاخر وتقليد الآخر مع غياب مفهوم الادخار، كلها أسباب تؤدي لانتشار هذه المشكلة الاجتماعية الخطيرة؛ حيث يكون الاقتراض حلًّا يتسبب في مشكلات اجتماعية واقتصادية ونفسية كثيرة، ما لم يكن الاقتراض لضرورة ملحة، خاصةً إذا كان هذا الاقتراض مقترناً بالربا.

وأشار البادي إلى أنه يمكن تفادى الاقتراض من خلال الاقتصاد في الإنفاق والرضا بالقليل، والادخار وشراء ما يلزم فقط، وحسن التدبير، إلى جانب اللجوء إلى بدائل ممكنة، والعمل الجاد والمشاريع المختلفة حتى لو كانت صغيرة. وحث الشخص الذى يريد الاقتراض على أن يتحلى بالصبر، وأنْ لا يستعجل الثراء السريع والربح الكبير؛ إذ إنَّ سوء التخطيط المالي سبب رئيسي يدفع بصاحبه للاقتراض وما يتبع ذلك من مشكلات.

واستدرك بأنه عند التسوق يشتري البعض كماليات لا ضرورة لها، وربما تنتهي بها الحال في سلة المهملات، علاوة على أنه يشتري سيارة بمبالغ باهظة، رغم أنه كان يمكنه الاكتفاء بسيارة صغيرة تكفي للتنقل، دون تحمل أعباء مالية.

وأشار البادي إلى أنَّه من الأسباب التى تجعل البعض يلجأون إلى الاقتراض والدخول فى الديون هو سوء التخطيط والإصراف المالي والتقليد الاعمى والبعد عن اتباع تعاليم الدين الحنيف، إلى جانب غياب ثقافة التوفير لدى كثير من الناس في المجتمع، والمبالغة حتى في إكرام الضيف، وفي الأعياد والمناسبات، وفي شراء مستلزمات الأسرة والأطفال، وتلبية طلباتهم والإنفاق على النفس من ملابس وعطور واحذية وكماليات...وغيرها من المشتريات التى تؤدي إلى الاقتراض الذي لا مبرر له في معظم الحالات.

إغراءات الإقراض

وذهب الدكتور نبهان بن سهيل المقرشي إلى أنَّ إغراءات البنوك بالحصول على قروض وتمويلات بطرق ميسرة، دفع بالبعض إلى الحصول على قروض من أجل تلبية متطلبات غير ضرورية؛ مما عرضهم لمشكلات مالية كبيرة عانوا ومازالوا يعانون منها. وأكد أنَّ كثيرا من المواطنين مدينون للبنوك بطرق مختلفة؛ أغلبها بسبب أهداف كان يمكن الاستغناء عنها.. مشيرا إلى أنَّ خبراء مصرفيين حددوا عدداً من الحالات الضرورية التي يمكن الاقتراض من أجلها؛ مثل: العلاج أو شراء وترميم المسكن أو التعليم أو الزواج أو شراء سيارة للمرة الأولى. وأوضح أنَّ هناك عدداً من الحالات التي لا يجب الاقتراض من أجلها، مثل شراء سلع كمالية أو رفاهية أو من أجل محاكاة الآخرين والتباهي، سواء للسفر للخارج أو لشراء سيارة فارهة أو مسكن بمواصفات أعلى من الاحتياجات الفعلية.

وأشار المقرشي إلى أنَّ شراء سيارة فارهة، والسفر بين أقطار مختلفة للترفيه، وشراء أزياء باهظة الثمن، والتباهي في النفقات، حلم يراود شريحة كبيرة من المجتمع، وربما تأخرت معه متطلبات ضرورية إلى درجة ثالثة أو رابعة من درجات الاهتمامات الشخصية، خاصة عند قطاع عريض من الشباب، في ظل شكاوى متكررة من ضعف الرواتب، لكن هذا الحلم المزعج بات تحقيقه ممكناً مع التنافس المحتدم بين البنوك، في تقديم تسهيلات أكثر لمنح القروض الشخصية.

ومضى المقرشي قائلا: إنَّ سلبيات القروض البنكية أكثر من فوائدها؛ فالفائدة الوحيدة للقرض هي تلبية الحاجة في وقتها، ومن ثمَّ تبدأ رحلة المعاناة وسداد القرض، والتأثير على الحياة مع الأبناء والزوجة، وربما تؤدِّى هذه الأشياء إلى وقوع حالات طلاق بسبب القروض. وحث المقترض على التحلي بالوعي فيما يتعلق بالاقتراض، وأن يكون القرض الثاني أكثر ضرورة من الأول؛ لأنَّ الشخص تكون قد تكونت لديه فكرة حول سلبيات الديون، وقيمة الأرباح والتأثير على دخله. وتابع المقرشي بأنَّه لابد للمقترض دراسة وضعه المالي، وإجراء دراسة وافية حول استطاعته على سداد هذا القرض في وقت محدد ومناسب له، حتى لا يقبل عليه من الأساس لتجنب أي إجراءات قانونية ضده.

خطأ كبير

وقال عبدالله بن علي الكلباني إخصائي اجتماعي: إنَّ غالبية المقترضين يقعون فيما يُسمَّى "الاقتراض الخاطئ"؛ حيث يقترض الشخص من أجل شراء سلع كمالية أو رفاهية أو من أجل التباهي ومحاكاة الأشخاص المقتدرين، كي لا يشعر في نفسه أنه أقل منهم أو الاقتراض للسفر للخارج من أجل السياحة، على الرغم من تحمله أعباء تفوق قدرته أو الاقتراض لشراء سيارة فارهة رغم أنه يمتلك سيارة.

ويرى الكلباني أنَّه من الضرورى إجراء دراسة خاصة للاحتياجات الفعلية للمقترض قبل الحصول على قرض؛ تتضمن البحث في قدرته على السداد، وأي البنوك أفضل عن الأخر ويتناسب مع وضع وظروف الراغب في الاقتراض. ولفت إلى أنَّ الكثير من المقترضين يواجهون مشكلات بعد الحصول على القرض؛ بما يؤثر سلبا على وضعهم الأسري والاجتماعي، لكنهم أدركوا ذلك بعد فوات الأوان.

ومن جهته، قال الدكتور أيمن علي إنَّ ثقافة الاقتراض من البنوك...وغيرها من أجل الرفاهية والسفر والسياحة، وهي عادات دخيلة على المجتمع ولها آثار سلبية وخيمة؛ إذ إنها قد تثير المشاكل للعديد من الأسر محدودة الدخل التي تمثل نواة المجتمع. وأضاف بأنَّ هذه العادة الدخيلة لها العديد من الأسباب منها التقليد الأعمى، لكن يتعين على الجميع أن يدرك أن الله خلق الناس متساوين في الرزق، ومنهم من هو ميسور الحال ومنهم غير ذلك، وفي ظل حب التقليد يقوم بعض محدودي الدخل بتقليد غيرهم وهو ما يدفعهم إلى الاقتراض لمحاكاة غيرهم من ميسوري الدخل، غير مدركين للعواقب الوخيمة التى تجرها تلك العادة السيئة عليهم وعلى أسرهم.

وتابع د.علي: "هناك كثير من المؤسسات المصرفية تسهل إجراءات الحصول على القروض التي لا تعود بالنفع على المجتمع، وذلك بدلاً من ضخ هذه الأموال في استثمارات تؤسس لمشاريع صناعية وتجارية تدفع قاطرة التنمية إلى الأمام". وأضاف بأنَّ أزمة الاقتراض تنشأ كذلك لغياب ثقافة التوفير وسوء التخطيط لدى العديد من أفراد المجتمع؛ حيث إن الشخص محدود الدخل وبدلا من قيامه بالادخار للسفر أو السياحة، يلجأ الى الاقتراض لأنه الحل الأسرع بالنسبة له، متناسياً لفترة مؤقتة أن الاقتراض ليس هو الحل الأنسب لحل مشاكله، بل إنه عبارة عن مُسكّن لا علاج، فإذا كان لا يستطيع توفير مبلغ القرض فكيف له سداد القرض وفوائده، وفي النهاية يجد نفسه عاجزاً عن السداد ويتم الزج به في المحاكم وقد ينتهى به الأمر في السجن وقد تجد أسرته نفسها بلا مأوى، إذا قدم المنزل كضمان للوفاء بذلك القرض.

تعليق عبر الفيس بوك