الهروب الجماعي للوافدين

أسماء القطيبي

في نصف صفحة أو أكثر تطالعنا الصحف المحلية يوميًّا بإعلانات هروب عمال وعاملات من جنسيات مختلفة ووظائف متنوعة من أعمالهم، وهذا الإعلان هو إجراء ملزم لصاحب العمل حسب قوانين وزارة القوى العاملة التي تنص على أنه من إجراءات الهروب من العمل "الإعلان في إحدى الصحف المحلية اليومية -مع وضع صورة فوتوغرافية للعامل- بعد سبعة أيام من تاريخ ترك العامل لمقر عمله". وبحسبة بسيطة لعدد الصحف اليومية ومتوسط عدد إعلانات الهروب، نجد أنَّ العدد يتجاوز في حده الأدنى خلال شهر مئتي حالة معلن عنها. هذا الهروب الجماعي للوافدين -والمستمر منذ عدة سنوات- يضع علامات استفهام كبيرة حول أسبابه وتداعياته في مجتمعنا العماني. كما يثير التساؤل الأكبر حول ما تقوم به المؤسسات المعنية من أجل احتواء هذه الظاهرة ومعالجتها بالحلول المناسبة.

إذا ما تحدَّثنا عن أسباب هروب العمال بشكل عام على مستوى العالم، فسنجد أنَّ عدم إيفاء العامل أجرته، وبيئة العمل السيئة التي تشمل عدم إعطاء العامل إجازاته المستحقة، وعدم توفير بيئة آمنة في الوظائف المرهقة بدنيا كالبناء وأعمال الحدادة والنجارة، السببان الرئيسيان في ترك العامل لعمله والبحث عن فرص أفضل. وفي السلطنة القوانين المتعلقة بهذين السببين واضحة ومنصفة، وهي تخول العامل رفع شكوى كخطوة مسبقة لاسترداد حقه حسب العقد المبرم قبل ترك العمل، كون الهروب يعرض العامل للسجن أو الترحيل في أي وقت. ولعل جهل الوافدين بهذا الأمر يجعلهم يختارون الحل الأسهل؛ مما يعني أن معرفة العامل نفسه بحقوقه وبالإجراءات القانونية قبل توقيعه للعقد قد يقلل من هذه الظاهرة.

ولعاملات المنازل نصيبٌ كبير من إعلانات الهروب، فيما يُفترض أنهن يتواجدن في ظروف أفضل من الرجال الوافدين، فعلى عكس العامل تحصل العاملة المنزلية أو المربية على مسكن ووجبات طعام وأوقات راحة وراتب شهري ثابت متفق عليه. فما الذي يدفع هذه المرأة التي تركت أسرتها وبلادها من أجل الحصول على ما يمكنها من تحسين أوضاع أسرتها إلى الهرب؟ ثم إلى أين يهربن؟ الأسر العمانية في شكوى دائمة من هروب متكرر للعاملات اللاتي يستقدموهن للخدمة، ملقين كامل اللوم على هؤلاء العاملات دون التفكير لولهة في أن الخلل قد يكون من الأسرة وليس من العاملة. فمعاملتها بنظام خدمة الـ24 ساعة يلغي حقها في الحصول على وقت حر مما يتسبَّب في التمرد على الوضع والرغبة في التحرر من الضغط البدني والنفسي الذي يسببه هذا الوضع. وفي حالات أخرى يكون السبب بالطبع العاملات أنفسهن مدفوعات بمغريات أخرى وبتأثير من عاملات أخريات يعشن في نفس الوضع والظروف، إلا أنه كثيرا ما تفشل محاولات الهرب لينتهي الأمر بالعاملة في مكتب الاستقدام. وينتهي بالأسرة في البحث عن عاملة أخرى.

الهروب من العمل لا يسبب الضرر على صاحب العمل فحسب، بل إن تداعياته تشمل المجتمع وتهدد أمنه؛ فبعض العمالة الهاربة تلجأ للقيام بأعمال مشبوهة مثل بيع قطع السيارات التي يتبين لاحقا أنها مسروقة، أو العمل في الدعارة وبيع المخدرات والممنوعات. ولك أن تتخيل مقدار الخطر الكامل إذا ما علمت أنه خلال النصف الأول من العام 2014 بلغت نسبة حالات هروب العمالة الوافدة 50 ألف حالة حسب تقرير لوزارة القوى العاملة، هذا العدد المهول يعني أن علينا دق ناقوس الخطر، وأن على المختصين في علم الاجتماع والتخصصات ذات الصلة البحث المفصل عن كل ما يتعلق بهذه الظاهرة، وقد يكون هروب العمالة من شركات معينة أو من وظائف بعينها بيئة خصبة لدراسة الظاهرة والحصول على بعض المعلومات الكيفية؛ مما يُسهم في مساعدة الجهات المختصة على التعديل في القوانين وتكثيف الرقابة على تطبيقها، وإبداء صرامة أكثر في التعامل مع المخطئ سواء كان العامل نفسه، أو صاحب العمل أو جهات أخرى تستغل الوضع في تشغيل هذه الفئة بأجور زهيدة ودون عقود أو تأمينات، خاصة وأنَّ نسبة العمالة الوافدة -الأسيوية منها خاصة- تتنامى بشكل كبير في كافة القطاعات بالسلطنة.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك