الأطفال والعنف

أسماء القطيبي

مع تعدُّد قنوات الأطفال، تزداد خيارات الأهالي في انتقاء ما يناسب أبناءهم حسب معايير تختلف من أسرة لأخرى؛ منها: نوعية الرسالة التي تقدمها القناة، وطريقة عرضها، ومدى ملاءمتها للبيئة الثقافية والاجتماعية للطفل. وبالنسبة لي، فإنَّ أهمَّ معيار في اختيار القناة المناسبة للأطفال دون سن الثامنة هو خلوها من مشاهد العنف والقتل قدر الإمكان، وهذا يسبقه بالطبع تجنيب الأطفال مشاهدة صور العنف والدمار في الحروب، والتي تُبث في نشرات الأخبار على مدار اليوم؛ لما تحدثه هذه الصور -الواقعية والخيالية- من تأثير سلبي بالغ على الأطفال.

ويُشدِّد علماء النفس على ضرورة تجنيب الطفل مشاهدة صور العنف في وسائل الإعلام؛ لأنَّ تكرارها يبعث له برسالة مفادها أنَّ هذه الأفعال هي جزء طبيعي ومعتاد من الحياة؛ مما يعمل على تقليل شعوره بالتعاطف الإنساني والإحساس بآلام الآخرين، ويجعله يميل أكثر إلى قبول الحال على ما هو عليه دون استنكاره. وقد يتطوَّر الأمر إلى ميل الطفل للعدوانية وتقليد مشاهد العنف -طالما أنها أمر معتاد ومقبول- خاصة على من هم أصغر سنا وأضعف بنية.

كما تُولِّد مشاهدة الطفل للعنف الخوف من المحيط الخارجي؛ مما يُؤثِّر على تعامله وتفاعله مع الآخرين؛ حيث إنَّ الطفل يضع تلقائيا احتمالية أن يكون الآخرون -غير والديه وإخوته- أناسا عنيفين ومؤذين مثل مَنْ يُشاهدهم في التلفاز، وقد يدفعه هذا الاعتقاد إلى تفضيل العزلة على المخاطرة في التعامل معهم. خاصة وأنَّ الأطفال في سن صغيرة لا يملكون تمييزا تاما بين ما هو واقعي وخيالي، وبين ما يحدث في عالمهم وما يشاهدونه عبر التلفاز، بل إنه وبسبب خيالهم النشط قد ينفصلون عن الواقع ويتصوَّرون أنفسهم في مواقف عنيفة، أكثر إثارة وحماسا من الواقع.

التبول اللإرداي أحد الآثار السلبية التي تُسبِّبها مشاهدة الأطفال للعنف، وهي إشارة قوية على شعور الطفل بالخوف والاضطراب النفسي، ورغم أنها مشكلة عضوية، إلا أنه لا يمكن حلها إلا بالتعرف على مسبباتها النفسية وعلاجها، كما أنَّ الكوابيس هي الأخرى إحدى نتائج مشاهد العنف؛ وذلك لكون العقل اللاواعي يقوم بتخزين الصور ثم استحضارها عند النوم. وكلما كان تأثيرها قويا، كانت الكوابيس أكثر إخافة ورعبا، وقد تلاحق هذه الكوابيس -التي يمكن وصفها بأنها خوف كامن- الطفل حتى عندما يكبر، وفي مراحل متقدمة يؤدي الأمر إلى حالات عصبية تستلزم تدخلا طبيا، وقد شهدت بنفسي إحداها، حيث كان الطفل يتعرض لتشنجات في الفترة التي كان يشاهد فيها الرسوم المتحركة التي يغلب على مشاهدها العنف، ومع توقف الطفل عن مشاهدة تلك القنوات وممارسته لأنشطة تفاعلية، وفقا لإرشادات الطبيب، بدأت تلك التشجنات تقل حتى اختفت تماما.

وقد يقول قائل بأن إبعاد الطفل تماما عن مشاهدة العنف -خاصة مشاهد القتل والموت والدماء- يجعله يعيش في عالم مثالي لا يشبه عالمنا، وأن هذا تزييف للواقع الذي يجب عليه معرفته وتقبله رغم بشاعته، وهذا كلام صائب للأطفال في مرحلة سنية أكبر، أي من عمر الثامنة حتى الثانية عشرة، حيث إنه لا بد للطفل التعرف على حقيقة العالم شيئا فشيئا، ومن حقه السؤال والحصول على بعض الإجابات. أما الأطفال دون الثامنة، فإنهم ما زالوا في مرحلة التمييز بين مفهومي الخير والشر المجردين؛ مما يعني عدم أهليتهم لفهم الأمور المعقدة التي تنتج العنف والدمار. كما أنَّ هذه المرحلة السنية هي مرحلة بناء الطفل لتصوره الخاص عن الحياة؛ لذا فإنَّه من مسؤولية الأهالي تعريفه بالجوانب المشرقة فيها، وإثراء ذاكرته بالجمال ليعبر المرحلة بسلام دون عقد واضطرابات نفسية.

ولأنه لا يمكننا إبعاد الطفل عن العنف بشكل تام، فإنَّ إتاحة الفرصة له للتعبير عن مخاوفه كفيل بأن يقلل من حجم هذه المخاوف لتصبح محتمله ومفهومه بالنسبة له. كما أنَّ تشجيع الطفل على الحديث عن يومه وما شاهده في التلفاز ليس أمرا يراد به التسلية بل طريقة لفهم الطفل واكتشاف شخصيته. وبالنسبة للطفل، فإنَّ استعادة المواقف تساعده تلقائيا على فهمها وربطها ببعضها البعض في سعيه لحل لغز الحياة المعقد.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك