لماذا الاستثمار الخليجي ضعيف في بلادنا ؟

عبد الله بن علي العليان

قبل أسابيع قليلة كنت ضمن وفد عماني زار مملكة البحرين من قبل شركة صلالة للميثانول، وضم الوفد العديد من أفراد مؤسسات المجتمع المدني، وشيوخ وإعلاميين، والتقى أعضاء الوفد بعض المسؤولين في شركة الخليج للبتروكيماويات، وبعض الخبراء الصناعيين والمهتمين بالشأن الاستثماري الخليجي، واطلع الوفد أثناء الزيارة، على النشاط الاستثماري في شركة الخليج، وأجرى الوفد حوارات متعددة فيما يتعلق بالاستثمار الصناعي، والإيجابيات والسلبيات في هذا الشأن وكان لقاءً جيدًا وإيجابياً ناقش عدة أمور ، ومن ضمن القضايا التي تمت إثارتها ضعف الاستثمارات الخليجية البينية، وما هو العائق الذي يجعل الاستثمار الخليجي متراجعاً؟، بينما الاستثمارات الخليجية كبيرة في بعض الدول الأخرى؟ وكانت الردود من سعادة الدكتور/ عبد الرحمن جواهري رئيس الشركة وعضو مجلس الشورى البحريني، حيث أشارإلى أن دول الخليج كتلة واحدة متجانسة، ولا يوجد عائق بينها للاستثمار، بما في ذلك سلطنة عمان الشقيقة التي فيها من الفرص والمقومات الكبيرة في مجالات عدة، والحقيقة أنّ هذا الحديث عن أهمية وضرورة الاستثمار الخليجي في السلطنة أسعدنا جميعًا، لأننا بحاجة إلى تحريك ساكن الاستثمار الخليجي والعربي والأجنبي، ونحن نرحب بكل ما شأنه أن يزيد الاستثمارات بين دول التعاون في مجال الاقتصاد والتجارة، والسياحة على وجه الخصوص لما تملكه عمان من فرص للاستثمار نظرًا للمقومات التي تمتاز بها في أغلب محافظتها".

وهذا ما نود أن تسعى إليه الجهات المعنية بالاقتصاد والسياحة والتجارة في بلادنا، والاستثمار في المجالات المتعددة، ولاشك أنّ السلطنة وفرت البنى الأساسية للاستثمار وتحفيز النشاط التجاري والاستثماري، كالموانئ والمطارات والمناطق الصناعية والمناطق الحرة، وسنت اللوائح والقوانين، لكن علينا أن نتحرّك بجدية لجذب الاستثمارات ذات الأهمية الاقتصادية، ووضع نظم جديدة للاستثمار، تكون ذات أثر فعّال لجلب الاستثمارات ذات الأهمية الاقتصادية، وتسهم في تشغيل العمالة العمانية، وهذا أصبح من الأولويات، بعد انخفاض أسعار النفط، كما أنّ هناك بعض الإجراءات الروتينية، والبيروقراطية، التي تُعيق الاستثمار، وقد سمعنا أنّ العديد من المستثمرين، جاءوا للسلطنة ووجدوا بعض العوائق الروتينية التي لا تشجع على الاستثمار، ولم نعرف دقة هذه المعلومات التي يتبادلها البعض، فالمهم أننا نأمل أن يُعاد النظر في اللوائح القوانين الاستثمارية مرة أخرى، بحيث يتم تسهيل ما يُعيق المستثمر من نظم وقوانين، وهذا مطلوب للجذب الاستثماري، فهناك سباق محموم بين دول كثيرة لجذب الاستثمار المتعدد الجوانب، وعُمان لا ينقصها شيء في هذا الجانب، ففيها الأمن والأمان، وبلادنا بكر من حيث المقومات المُتعددة، فلماذا لا نتحرك في جذب الاستثمارات الخليجية والعربية والأجنبية؟ وبلادنا تمتلك من المقومات ما يجعلها من الدول النشطة اقتصادياً وسياحياً وتجاريًا، ولذلك لابد من تسهيل وتبسيط الإجراءات، وأن تكون قوانين العمل لها موظفين متخصصين في مجال الاستثمار في وزارة القوى العاملة، وأن يسبق ذلك، الترويج، وزيارات ورحلات مكثفة لدعوة المستثمرين، والأهم من ذلك ـ كما أشرنا آنفا ـ تسهيل الإجراءات، ومراجعة قانون الاستثمار الأجنبي، وقانون العمل، وقانون الحماية، والإعفاء الضريبي، وقانون الانتفاع بالأراضي، ونسبة تملك المستثمر الأجنبي، وقانون التلوث، والنظام المصرفي، وغيرها من الحوافز المشجعة للاستثمار، وهذا يكون للمستثمرين الجادين الذين عندهم الجدية في الاستثمار الذي يحقق ما نسعى إليه.

وعلى الرغم من أنّ السلطنة تأثرت بانخفاض أسعار النفط في الأشهر الماضية وحتى الآن، إلا أننا لا نرى مكاشفة وشفافية للوضع الاقتصادي الراهن من قبل المسؤولين، وما هي الخطط التي سوف تسعى لها الدولة للحد من هذه الأزمة النفطية؟، وكان الافتراض أن تكون هناك مقابلات وحوارات، في وسائل الإعلام المختلفة، يطلع خلالها المواطن على الوضع الاقتصادي الراهن، وما هي المسارات التي سوف تتخذ في هذا الشأن؟، والخطوات التي اتخذت عرفنا عنها، جاءت على الموظف الحكومي، منها وقف الترقيات، وقف نظام التقاعد الموحد الذي جاء بأوامر سامية من عدة أعوام، وغيرها من القرارات التي مردودها المادي على الاقتصاد ضئيلاً، نحن الآن في حاجة إلى خطوات عملية جادة، لتحقيق التنويع الاقتصادي، والتقليل من الاعتماد على النفط، وقد تحدثت الجهات المسؤولة عن هذا التنويع الاقتصادي في الرؤية المستقبلية 2020، التي لم تتجسد في خطط وبرامج عملية للتطبيق، وبقيت رؤية تنظيرية مجردة، حتى جاء 2011، واكتشف أنّ هذه الرؤية، لم تحقق الأهداف التي كنّا نعول عليها من خلال ما حددته من رؤى مستقبلية للاقتصاد العماني.

ولا شك أنّ التنمية الجيدة تسعى بخطط مدروسة لتقليص حكم الباحثين عن العمل في بلادنا، والذين بلا شك سيزدادون مع المخرجات في السنوات المقبلة، وهذه إذا لم تحل، بخطط مُعدة ومبرمجة، ستتولد عنها الكثير من المشكلات الاجتماعية والنفسية، وهذه حددتها دراسات علمية، لذلك فإنّ علينا التحرك الجاد لإنعاش الاستثمار، بحيث يكون مدخلاً جيدًا، لحلول الكثير من الظروف الاقتصادية التي سببتها الأزمة النفطية الراهنة، وهذه تحتاج إلى خطوات وخطط محفزة للاستثمار الجاد، وتحقيق التنمية المستدامة من خلالها، ولم يكن مفهوم التنمية مفهومًا سكونيًا جامدًا، وإنما كان مرتبطا بديناميكية عملية متحركة من خلال التنمية ذاتها، ولا يخرجه عن صلب التنمية، ولا أهدافها الأساسية، وهى إشباع حاجات أفراد المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وحقهم في الحياة الكريمة، والحرية، والعدالة، وغيرها من المقومات التي شدد عليها النظام الأساسي للدولة، كما أنّ التنمية لا تتحقق، دون أن تكون شاملة لمجالات التعليم والصحة والثقافة، وغيرها من المرتكزات التي تُعد من الأولويات التي تقيم عليها الدول، وإلا تبقى ناقصة غير مستوفية الشروط اللازمة، ومشوهة الحضور، ويعوزها الاكتمال والتوازن، وفي ظل الشفافية، والمحاسبة، ومحاربة الفساد والمحاباة، واستغلال النفوذ، وغيرها من الأمور التي تؤسس لتنمية واستثمار فاعل، وناهض لتطور علمي ومنهجي، ويسهم في نهوض شامل وفي تلبية الحاجات الأساسية للمجتمع وتحسين القدرات البشرية، وهذا ما نأمله في مرحلتنا المقبلة.

تعليق عبر الفيس بوك